بعد الخبرة التي اكتسبها أعضاء فريق الدفاع المدني السوري والمعروف باسم “الخوذ البيضاء” نسبة للخوذ التي يرتدونها منذ بداية تطوعهم أثناء فترة اندلاع الحرب حين كانوا يقومون بعمليات الإنقاذ جرَّاء الدمار الحاصل الذي تُخلفه غارات النظام على منطقة الشمال السوري المحرر، فبعد كل قصفٍ على منطقة من المناطق كانوا يهرعون والخُوَذ على رؤوسهم لإنقاذ من بقي عالقًا تحت المنازل المدمَّرة؛ آخذين على عاتقهم أيضًا مهمة إنقاذ ضحايا الزلزال الذي ضرب تركيا ومناطق في الشمال السوري مطلع الشهر الماضي.
تكمن حقيقة متطوعي الفريق أنهم أشخاصٌ عاديون كانوا يعيشون حياة عادية قبل اندلاع الحرب فمنهم الحدَّاد والنجار والخباز والمهندس والطبيب والطالب، إلَّا أنها غيَّرت مساراتهم وجرفتهم نحو اقتفاء أثر المتضررين والعالقين تحت أنقاض المنازل المدمرة فوق أصحابها جرَّاء القصف.
ففي بداية العام 2013 تطوعوا للعمل على إنقاذ ضحايا تحوُّل الاحتجاجات السلمية إلى نزاع مسلَّح سقط على إثره آلاف السوريين بين قتيل وجريح، وتسبب في نزوح أكثر من نصف السكان داخل سوريا وخارجها، مُخصِّصين وقتهم في تعقُّب الغارات والبراميل المتفجرة من أجل إنقاذ العالقين تحت البيوت المدمرة على قيد الحياة.
ولم يقتصر عملهم على الإنقاذ فقط، بل شمل إطفاء الحرائق وإسعاف المصابين وإزالة الركام الذي خلفته القذائف، والإنقاذ بعد الكوارث الطبيعية كالزلزال المدمر الذي ضرب تركيا ومناطق شمال سوريا، فمع غياب الدعم عن تلك المناطق من قِبل النظام السوري والدول المجاورة، كانوا هم الدرع الذي حمل على كاهله همَّ الكارثة بأكملها، وبالرغم من قلة الحيلة والأدوات البسيطة التي يمتلكونها، بذلوا جهودهم وكثَّفوها على أمل إنقاذ أكبر قدر ممكن من الضحايا المحبوسين في ظلمات وضيق منازلهم التي أطبقَت فوق رؤوسهم فمات من ماتَ وعاش منهم بمعجزةٍ من الله من عاش، كما أظهرت وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي التي ساهمت بأن يعرفهم العالم أجمع من خلال مقاطع فيديو نُشرَت لهم توثق بحثهم المستمر عن أشخاص عالقين تحت الأنقاض، أو حملهم لأطفال ورجال ونساء ملوثين بالدماء بعد أن تم إنقاذهم ليتم نقلهم إلى المستشفيات أثناء احتدام المعارك بين الأطراف المسلحة.
يضم فريق الخوذ البيضاء من المتطوعين ما يقارب ال 3300 متطوع بينهم متطوعات نساء يُساهمنَ ويشاركن في عمليات الإنقاذ، تلقَّى بعضهم التدريب خارج سوريا قبل عودتهم إليها لتدريب باقي الأعضاء، ولكنهم رغم ذلك كانوا محطَّ استهداف من قِبل النظام السوري فقد خسروا ما يقارب الـ 300 متطوع.
تتلقى المنظمة الدعم المادي لشراء المعدات والأجهزة اللازمة لعمليات الإنقاذ بمختلف أشكالها من بعض الحكومات منها بريطانيا وألمانيا وهولندا واليابان والولايات المتحدة.
تحت شعار “ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا” بذل أبطال الخوذ البيضاء الجهود الجبارة التي تستحق منا التقدير والاحتفاء والكثير من الاحترام، وصنعوا الأمل وسط الخراب والدمار، ومنحوا الحياة لأشخاصٍ قتلت الحرب والفقد كل لمحةٍ لها في أرواحهم، مُثبتين للعالم أجمع أن الإنسانية وحدها من تصنع من الرماد غصنًا يافعًا نضِرًا، وملتزمين بما آمنوا به رغم كل الصعوبات، فهم أصحاب رسالة وقلوبٍ عطوفةٍ تأبى العيش في الظلام والدمار الذي تسببه الحرب، وسيبقون على ذات النهج إلى حين انطفاء الحرب نهائيًا ورفع رايات السلام والأمان.