مسرح انتجته مخلفات الحربين العالميتين و كانت بريطانيا هي الحاضنة له على الرغم منها، فالمملكة المتحدة خسرت هيبتها كدولة عظمى بعد ان فقدت الكثير من مستعمراتها و كانت اخر الانكسارات العدوان على السويس مع شريكيها (فرنسا و الكيان الصهيوني) في محاولة بائسة منها لأثبات وجودها لكن تلك المحاولة قوبلت بأدانة دولية الى جانب معارضة برلمانية و شعبية في الداخل وبين هذا و ذاك فان الحكومة الملكية قد وعدت شعبها بـ(الرفاه و الرخاء والسلم) عبر شعاراتها التي رفعتها و انتظرها الانكليز لكن واقع الحال ان الملايين من البريطانيين يعيشون على المساعدات التي تتلقاها من اسيادهم الامريكان فتولد من جراء ذلك جيل جديد فاقد للثقة بكل القيم الاخلاقية والانظمة السياسية التي قوضت كل المبادئ التي ارساها الاجداد، جيل تائه، مضطرب، لا يؤمن بالأيديولوجيات و لا حتى بالدين و الاخلاق التي لم تقف حائلا دون نشوب الحرب المنتجة لملايين الضحايا و الجرحى و المدمرين نفسيا و من معطف تلك الافكار خرج العديد من الادباء و الكتاب و فناني التشكيل والمسرح .
حدث و ان نشرت ( شركة المسرح الانكليزي ) في العام 1955 اعلانا عن حاجتها لنصوص مسرحية و قد وصلت الى الشركة اكثر من 750 نصا مسرحيا لمؤلفين هواة يبحثون عن فرصة لتقديم انفسهم ككتاب و كان من بين المتقدمين ممثل شاب مغمور يدعى ( جون اوزبورن ) قدم مخطوطته التي حملت عنوان (انظر الى الوراء بغضب) وبعد قراءتها من قبل القائمين على الشركة اثارت اعجابهم فأقروا انتاجها كأحد عروض الموسم المسرحي 1956 و قبل التنفيذ قرر مدير الشركة التعرف على اوزبورن فأقتفى أثره وصولا الى المكان الذي يعيش فيه فوجد ان مؤلف المسرحية شاب عمره 26 سنة يعيش في عسر وضيق يسكن في مكان بائس بالقرب من احد المرافئ البحرية و قد انفصل عن زوجته فعرض عليه مبلغا من المال كعربون لاحتكار مسرحيته لمدة عام ومن ثم قدمت المسرحية من قبل ( فرقة انجلش ستيج كومبني ) و تم عرضها على مسرح (الرويال كورث) و قد جوبهت بالنقد اللاذع و الرفض من قبل النقاد غير ان احدى الصحف و قفت الى جانب العرض مبشرة بولادة كاتب مسرحي جديد وبعد اسبوع من العرض و بجمهور محدود تناولها الاعلام الانكليزي بشكل مغاير لا سيما ما قدم عبر (هيئة الاذاعة البريطانية ) في تقرير مطول لها قد قلب الموازين و صار الحجز المسبق قبل اشهر لمشاهدة المسرحية و عد اوزبورن رائدا لمسرح الاحتجاج و الغضب حتى ان الرويال كورث عمل على تغيير برنامجه معتمدا على المسرحيات الجديدة مما ارتبط اسمه بحركة المعاصرة والتجديد.
ان عرض مسرحية انظر الى الوراء بغضب التي انتقد فيها الكاتب المؤسستين السياسية و الاجتماعية في حقبة ما بعد الحربين العالميتين و الامبريالية البريطانية نقدا جارحا قد القت صخرة في بركة المسرح الانكليزي الراكد من خلال جيل من الشباب مثلهم مثل اوزبورن طرحت مسرحياتهم نمطا جديدا من الابطال تم اختيارهم من الطبقة الدنيا ذو مزاج بذئ و ميل شديد نحو البيرة والجنس و موقف ردئ ينم عن عدم احترام لنظام المؤسسة معبرين عن ذواتهم فاوزبورن نفسه كان في حياته سيئ السمعة بسبب عنفه في لغته و لم يكن ذلك السلوك مختصرا في الشارع و المسرح بل حتى مع زوجاته الخمس و اطفاله فهو و من سار على خطاه كانوا يدافعون عن حكمة التطهير المتمثلة في السلوك السيء الذي يجمع بين الصدق الفائق و بين الطرافة المدمرة فحظيت عروضهم بشعبية كبيرة و واسعة.