لم يمض سوى وقت قصير من عمر البرمجيات الحديثة، في صعود نجم برنامج الذكاء الاصطناعي” تشات جي بي تي” حتى بات الهم الشاغل للشركات والجامعات والمراكز العلمية العمل على مكافحة استخدامه عبر برمجيات مضادة في قطاعات أصبح « الذكاء» عامل هدم وتزييف وخداع فيها. ولا تزال المشكلة التي تواجهها الجامعات في العالم كبيرة لاسيما انّ برنامج الكتابة المطوّر بالذكاء الاصطناعي يراوغ كل المهارات التي تمتلكها هيئات التدريس في الكشف عن الأداء الآلي للبحوث والواجبات الدراسية، بما يخلط الحابل بالنابل ويُضيع جهد الطالب المتميز امام الطالب الكسول والمخادع الذي يملأ الفراغ بمساعدة من الذكاء الاصطناعي من دون أي عناء منه ومن دون أن يكون قد فهم شيئاً من المادة الدراسية. وهذه المعضلة أكبر بكثير من أولئك الذي يسرقون كل شيء من محرك البحث « غوغل».
المصيبة الأخرى التي تعترضنا هي وجود أعداد كبيرة من “المحللين والكتّاب” الذين استسهلوا هذا البرنامج الذكي وراحوا يمطون بمقالاتهم لتبلغ عشرات الالاف من الكلمات في حين انهم لم يكتبوا في الأصل سوى ثلاثة أسطر كأقصى حد.
المتمرسون في عالم الصحافة لا يحتاجون الى برمجيات متقدمة مضادة لكشف استغلال “الاغبياء” برامج الكتابة بواسطة الذكاء الاصطناعي، ذلك ان الكتابة في الصحافة، أو البحث الادبي، أو الاجتماعي، او الفكري لها نكهة متعاشقة مع روح الكاتب من اول كلمة يكتبها حتى نهاية المقال، وهذا ما لا يستطيع الذكاء الاصطناعي أن يمرره إلا من خلال كون الكاتب والمتلقي من صنف الاغبياء والمتحجرين الجدد.
لكن وسائل التواصل الاجتماعي ستبقى الحواضن الخصبة لانتشار هذه الصنف الهجين من الاغبياء المُخصبين بالذكاء الاصطناعي، لأنها وسائل لا تخضع لمراقب الذوق العام او نوعية المادة الفكرية واصالتها، وتكون الرقابة لأغراض أمنية تحفظ “عورات” السلطات من الاختراق ليس أكثر.
السؤال الذي يبدر الى الذهن: ما هو الموقف الذي ينبغي اتخاذه إزاء تطور الذكاء الاصطناعي، هل نقاطعه خوفا من طبقة الاغبياء المستغلين؟ طبعا لا يمكن الاستسلام للمزورين والمخادعين وغلق مسارات التقدم العلمي خوفا من الاستغلال السيء، فذلك الاستغلال يمكن ان يحصل مع أي مجال في الحياة، لذلك ينبغي تقنين مسارات استخدام البرمجيات لما يخدم تطوير المجتمع والعلم وكسب الوقت وفتح افاق المستقبل، ومع ذلك ستحدث اختراقات معينة، ولابدّ من التعامل السريع لكشفها حتى تضيق خيارات المُزورين الى درجة الخنق.
غير ان من الصعب التكهن بالذي سيقوم بتزويره بواسطة الذكاء الاصطناعي أولئك السياسيون الذين سرقوا الوطن، وعزاؤنا الوحيد في انهم لايزالون يجهلون الف باء عالم البرمجيات كما هو جهلهم بألف باء الأبجدية.