في سنوات الحصار البغيض(1990-2003) كان الروائي عبد الرحمن مجيد الربيعي يفتح نوافذ أمل بكلماته في الصحافة العربية وعبر ادامة صلته معنا نحن الادباء الذين كدنا نفقد أيّ أمل لنشر أعمالنا في الخارج.
كان يكتب الى الادباء والمثقفين في العراق عشرات الرسائل كل شهر، تضم قصاصات تحمل ما نُشر لهم في صحافة الخارج فيمنحهم دفعة معنوية كبيرة في زمن الخيبات. كان يقيم تونس التي اختارها واحة لاستكمال حياته الأسرية والابداعية بعد أن غادر البلد في نهاية الثمانينات، ولم ينقطع يوماً عن همومه العراقية.
كنتُ ذات صباح، أهمّ بالدخول الى قاعة محاضرتي عن الادب العربي الحديث في جامعة الموصل حين وصلتني رسالة عرفت قبل أن ألمسها انَّ الربيعي مرسلها، من الطابع التونسي على مغلفها ومن خطه المميز الدافق بالمشاعر، لم أصبر حتى فتحتها بين طلبتي، كانت كلماته المُحبة تخبرني انّه اختار لي قصة قصيرة لعدد خاص عن القصة العراقية تصدره مجلة – الآداب اللبنانية لصاحبها سهيل ادريس. فتحوّلت المحاضرة لتناول ذلك المبدع الذي كان علامة بارزة في القصة والرواية بالعراق وله مكانة في مسار الابداع العربي. شعرتُ لحظتها انّ هناك انساناً كبيراً قبل ان يكون مبدعاً كبيراً، يهفو قلبه لجميع المبدعين الذين كان الحصار يحارب أشعارهم وقصصهم، وبعدها علمتُ انّ أدباء آخرين صنع معهم الأمر ذاته.
كان الربيعي نافذة مضيئة مشرعة على هواء الوطن المحاصر، في الأيام الصعبة، مُترفعاً عن الخوض في غمار الرخص الفكري والسياسي، همّه وطني وابداعي، لا يحيد يميناً أو شمالاً عن بوصلة قلبه وعقله العراقيَيْن.
تتدفق الذكريات مع الربيعي، وليس لهذه السطور أن تستوعبها أبداً. كنتُ أول مَن يستقبل مقاله الأسبوعي المخصص لصحيفة الزمان» في لندن، وأقرأه قبل النشر كقطعة ناطقة بالمشاعر والرؤى والالتفاتات الذكية في عالم الثقافة العربية.
لم يسعَ الربيعي يوماً الى جائزة في القصة والرواية كما يتهافت الادباء اليوم، كان يكتب ويمضي في طريقه، الى حيث تنتظره في الأفق شعلة الابداع التي يظل يسير نحوها كل يوم من كلل أو ملل، فهي همّه الوحيد، وليست الجوائز ومناسبات التكريم. كان الربيعي بذاته جائزة الفن القصصي العراقي.
إنَّ الراحل الربيعي الذي ناله التهميش في بلاده كثيراً ، آن له الأوان أن تقوم وزارة الثقافة بطباعة أعماله الكاملة، وأن تتناوله الرسائل الجامعية لاسيما نتاجه في سنوات الغربة.
ما أحلى أن يشمخ في مدينة الناصرية قلب جنوب بلادنا النابض، تمثال عبد الرحمن الربيعي، كما يقف تمثال بدر شاكر السياب علامة كبيرة مضيئة في البصرة