امس رحل الروائي العراقي وابن مدينة الناصرية عبد الرحمن مجيد الربيعي .
رحيل كابدته آلام النزع الاخير في مرحلة حرجة تعالت فيها دعوات مدينته الناصرية لتمر محنة المرض بسلام .
لكن المنية اتت وعلي ان استعيد معها تلك الذكرى المؤطرة بمشاعر الاعجاب والتشبه بتلك الشخصية الروائية الرائعة التي تعود علاقتي بها عندما عاد الفنان علي جودة من سفرة فنية له في تونس ، وفي حقيبته كتابان تم إهدائهما الى اثنين من أبناء الناصرية ، الأول للراحل الروائي محسن الخفاجي والثاني لي أنا، والكتاب عبارة عن سيرة ذاتية شجاعة لرجل عاش اكثر من ستين عاما كواحد من صناع الرواية العراقية والتي حرص أن يبقي جذورها السومرية متوقدة حتى في أمكنته البعيدة التي هاجر اليها واستقر هناك ولينال منها الجنسية التونسية لكن عناوين كتبه ظلت تحمل عطر ذلك الشارع الذي ولد فيه قريبا من صباحات شارع عشرين وأساطيره.
الراحل عبد الرحمن مجيد الربيعي1939 غادر الناصرية في اول سنوات تعيينيه معلما لدرس الفنية ، ولكنه ابقى في ثياب المدينة شيئا من تطريز نبض قلبه ، حتى جعل روائيا مغربيا مشهورا مثل محمد شكري يتحدث عن الناصرية ومحلاتها وشوارعها بفضل حبه لرواية صديقه عبد الرحمن الربيعي القمر والأسوار .
وأنا شخصيا تتبعت خطوات الربيعي في طنجة عندما عشت أيام توثيق حياة شكري في كتاب وقد قادني صديق شكري الربيو الى مقهى ننكرسو وقال لي هنا كان يجلس ابن مدينتك عبد الرحمن الربيعي مع شكري وغيره من أدباء طنجة.
ويبدو ان عبد الرحمن في تلك الآصرة التي صنعها بين الناصرية ومحمد شكري أتت من معتقد لشكري ان اسم طنجة اتى من خلال رسو سفينة نوح في ساحلها ، ومادام نوح اتى من أمكنة قريبة من الناصرية فان الأمر شكل في رسائل شكري لمحمد برادة وخرجت بكتاب إشارات كثيرة الى عبد الرحمن الربيعي وروايته وعلاقته بالمدينة التي لم يرها شكري ولكنه احبها ( الناصرية )
تفتخر الناصرية ان احد أبنائها روائيا مشهورا انجز اكثر من ثلاثين كتابا في الرواية والقصة والنقد والشعر ، وكان له دور ريادي في ظهور الوعي المتجدد في ثقافة ستينات القرن الماضي وسبعينياته ، لكنه بسبب مزاج روحه المتحررة حمل حقائب الهجرة وغاب عن وطنه عشرات السنين وفي سيرته الذاتية التي أهديت اليَّ رؤى وحكايات وأراء ومحطات لسندباد سومري حمل حقائب أحلامه ودهشته الى أفريقيا وهناك رمى شيئا من رمل اور على بحر تونس فنمت معه هواجس تأسيس عائلة مشتركة من سيدة وأديبة تونسية تزوجها هي القاصة التونسية رشيدة الشارني.
تشعر الناصرية في العودة الأخيرة لعبد الرحمن الربيعي وهو يتلو على مسامع أبنائه خواطر تعلقه بالمكان بالرغم من ان معظم الحاضرين من أجيال لم تعش متعة سريالية وثورية هذا الروائي السومري ولكنها كانت صاغية جيدة اليه لأنها تشعر ان كاهنا مثل هذا الذي يتحدث أمامهم لجدير بأن يرفع صوت أدعية الحلم ويُريهم طقوس محبته للمكان يوم كانت ومازالت الروايات فيه يبدأ نشوؤها عند محطات ذكريات امكنة مدينته القديمة حيث ظل مرتبطا بها اينما تكون جوازات سفره.
مات عبد الرحمن مجيد الربيعي الروائي والشاعر والانسان وقد سجل في سردياته تفاصيل تاريخ بلاده ومحطاته وذكرياته في مزيج من دهشة الشخوص ويومياتها.
للراحل الكبير أجل مشاعر الدمعة وحزنها ،وقد شعرت الناصرية اليوم انها لم تفقد روائيا معروفا ومؤثرا بل فقدت واحدا من ابنائها الاعزاء.