قد يكون السؤال مستفزاً او خارجاً عن حدود اللياقة الادبية ، لكن ما يقدمه معاشر الحمير والقرود والأبقار والبغال لقادتهم من خدمات في تثبيت زعاماتهم وبسط سيطرتهم على مقدرات البلاد والعباد تجعلنا نتسائل لماذا الحمير دون غيرهم ، هل لان الحمير لا يحتاجون الى كرامة بل يكتفون بالشعير والتبن فقط لكي يقوُّوا على النهيق لتمجيد وتعظيم قادتهم، كما إنهم يكتفون بالجلوس في الزرائب مادام قصر القائد سالماً وموائده عامرة بما لذ وطاب، أو لأن لا وظيفة للقرود سوى التنطيط والإضحاك والتطبيل لخدمة القائد ، وبما ان القادة لا يحبذون ذوي الكرامة والاحرار ، لذا لا مكان ( لاصحاب الكرامة ) بين الحمير .
أما لماذا يكرَّمون الحمير والقرود فلأمرِ حكاية :
سأرويها لكم .
يحكى ان رئيساً ارتأى ان يكرَّم رعاياه الذين يسدُّون الخدمات لفخامته من القرود والأبقار والبغال والحمير بأوسمة من الذهب والفضة والنحاس والتنك ، تسارع هؤلاء للوقوف على أبواب قصره ليحضوا بهبته وعطاياه وأوسمته . وكان دور القرود أولاً فأدخلوهم واحداً تلو الاخر . فسألهم عن انجازاتهم ، فقالوا يافخامة الرئيس لولا ما نبثه ونعرضه للناس من دعاية ونحن في اقفاصنا ، لما استقام لك الامر فنحن جهازك الاعلامي والدعائي الذي يُلهب الشارع حماسةً لك ، اقنع كلامهم الرئيس، فاصدر اوامره بتكريمهم، فعُلقت النياشين على صدورهم ، وعادوا يغنون ويتراقصون ويضحكون متبخترين في شوارع المدينة ، أثار منظرهم بقرة كانت تقطع الطريق، أوقفتهم لتسألهم عن سبب الفرح والغناء ،فقالوا: لقد كرمنا الرئيس مقابل ما قدمنا من خدمات ، استشاطت البقرة غضباً وتوجهت نحو القصر طالبة ً مقابلة الرئيس بصفتها احدى رعاياه ، وافق الرئيس على لقائها، فسألها عن سبب اللقاء فقالت بلغني ايها الرئيس انك تكرم رعاياك الذين قدموا الخدمات لهذا الوطن ، وقد اغفلتني ، فقال لها : وماذا قدمت لكي أكرمك ، فقالت : ايها الرئيس لقد قدمت لك خدمات جليلة، أنسيت أنكم تستفيدون من حليبي ولحمي وجلدي وفي حرث الارض ومن روثي ايظا ، فأطرق الرئيس فوجد كلاها معقولا ً فأمر بتكريمها بوسام من الدرجة الثانية ( الفضة) ، خرجت البقرة سعيدة تترنح وتغني وتقفز بين الحين والآخر، فمر بها بغل وسألها عن سبب ما هي فيه ، فأخبرته عن التكريم ، لم يتمالك البغل نفسه فضرب بقوائمه الأربع ويمَمَ وجهه شطر القصر ، وقال للحراس اريد مقابلة الرئيس فمنعوه فأصر على اللقاء ، فوافق االرئيس فدخل عليه ، فسأله ما الذي جاء بك ، فقال بلغني ايها الرئيس ان كرمت القرود والبقر ، فقال له وماذا قدمت لكي تطالب بالتكريم ، فقال: سدد الله الرئيس ، انا يا سيدي من يحمل على ظهره احمالكم ومن يُستخدم في الحروب في نقل السلاح والصعود الى الجبال لدعم جنودكم وأقوم بأعمال كبيرة ، فهز الرئيس رأسه وأمر بتكريمه بوسام من الدرجة الاولى ( الذهب ) ، لم يتمالك البغل نفسه. خرج وهو يمشي في الارض مرحاً مختالاً ويتنطط في الهواء. وقد ملئت قهقهاته الفضاء، بينما هو في حالة السرور والحبور والبهجة مر به حمار متعب ، فقال له ما بك يا خالي ( ام البغل من الحمير ) فأخبره بقصة التكريم ، ففقد الحمار صوابه وراح مغاضباً لقصر الرئيس يريد مقابلته ، وبعد جدال بينه وبين حراس القصر سُمح له باللقاء ، فبادره الرئيس بسؤاله عن إنجازاته ، فقال متعجباً أنسيت ايها الرئيس لولانا نحن معاشر الحمير لما استطعت ان تحكم وان تجلس على هذا الكرسي ، ولولا نهيقنا العالي لما سكت معارضوك ولولا ركلاتنا القوية لاستطاع أعداؤك الدخول الى قصرك ونزعوا منك الزعامة ، توقف الرئيس عند كلمات الحمار.ثم سأل عما تبقى من الأوسمة فأخبروه بأنها نفذت كلها ولم يعد هناك من وسام ،فامر الرئيس بتكريم الحمار بوجبتين من التبن والشعير يومياً عن الصباح وعند المساء ليأكلها ويستمر في النهيق ، فخرج الحمار وهو في غاية السعادة ، رافعاً صوته في مدح الرئيس وهو يقول القائد خط ٌ احمر ……. القائد خط احمر.
تكريم الحمير قصة للكاتب التركي عزيز نسين
” بتصرف “