التَفكّرُ في الحياة والمصير بشكلٍ عام يثيرُ الفزع ، خلاصتُه؛ أنّنا نولد ثم نموت، حتمية لاجدال فيها،ركِبَ عبابَها ملياراتُ البشر والكائنات الأخرى منذ بدء الخليقة، حتميةٌ لايمكنُ تحييدُها أومساومتُها بالمال أو الجاه أو الجبروت أو التقوى أو أي نشاط انساني من أيِ نوع . مهما كنتْ ، نبيًاً ملِكاً ثرياً نجماً مفكراً عظيماً عالِماً قدّم للبشرية ماييسّر عيشَها ووجودَها عبر الأجيال، سلطانا محاطاً بالجيوش والاطباء ، لايمكنُك أن تتجنبَ هذه الحقيقةَ المرّة التي نتجاهلها عادة ،. فـ (كلُّ مَنْ عليها فانْ)، حقيقة نُسجَتْ حولها الأساطير والملاحمُ والخرافاتُ وتعزية ُالانسانِ بأنها ليستْ نهايتَه كما يظن ، فاختلفت العقائد وتنوعتْ الروايات لكنها في النهاية (الحياة – الموت) ، . سرّ هائلٌ فعلاً لايمكن الاكتفاء بتفسير تبسيطي له. فمهما تكهّن الكُهّان وحللّ الفلاسفة والمفكرون ، أختلفوا أو اتفقوا ، تبقى معادلة ( نولد – نموت) الحتمية لامفر منها .
قد يبدو هذا الكلام تشاؤماً يهوّن النفس ويحبط العزائم في انجاز شيء مُجدٍ ، لكنه في حقيقته مدعاة للبحث عن مخرجٍ نسبي من أزمةٍ، هي أمّ الأزمات الانسانية دونَ منازع .
ولأن مقالنا ليس بحثا وجودياُ أو نظرية في الغيب ، فهو يقترحُ ببساطة مشروعاً للخروج الذهبي من هذه الأزمة .. إنها السعادة ، السعادات اليومية ، أن تصحو وأنْ ترى وأنْ تحب وان تنتظر شيئا جميلا ،أو تنجز طموحاً، أن تسعى فتصل، أنْ تعملَ وتعرق ثم تستريح ،أنْ تعيش بدون الم ، أن ترى مبدأ رفيعا يتحقق ، أن تصدر كتابا أو تربح تجارة او تلبس لباساً مريحاً ، أنْ تنتظر خبراً ساراً ، أنْ تدركَ أنّ الكراهية والغيرةَ والحسد وقنص ماليس لك حقٌ فيه أمورٌ مضحكة وأمراض خبيثة، وقبل ذلك أنْ لا تفاجِئُكَ أخبار الغيابْ وفقدانِ الأحبّة، لانها في المحصلة استجابة للحتمي الذي تتهرّبُ منهُ الى السعاداتِ المتاحة سواء كانت (قصيرة الأمد) من المتعة والرفاه أو دائمة ( سعادة تطبيق القيَم) حسب ستيفن رايس الذي يفسر ذلك “بأنّ الحياة ليست غاية وجودنا، وإنما هي تتيح لنا تحقيق ما هو ذي قيمة لنا”.
فحينَ تعرفُ أنّ الموتَ هو توقفُ كلِّ شيء، فانك في هذه اللحظة خارج هذه المعادلة اليوم وكنت خارجها بالأمس وتأمل بانْ تكون بعيداً عنها غداً، وحتى تحين فانتَ سعيدٌ بانتصاراتك الصغيرة ومشاريعك الناجحة في الأسرة والصحة والعمل ،خالداً خلوداً مؤقتاً في أعين الناس التي تحبّك ، وقانعاً بما يصلك من الخير الذي لاتأخذُ منه شيئا في النهاية، وفيراً كان أم شحيحاً ،لكنه بالنتيجة سعادة، بل يمكن أنْ تكون طبيعياً حتى وأنت تفقد عزيزاً حانَ رحيلُه قبلك .فعزاؤك ان ماحصل ليس أمراً شاذاً عن القاعدة .فيما يبدو الشرهون الذين يجنون الاموال ويرتكبون الجرائم ويسطون على حقوق الناس مثار تهكم وسخرية ذلك الحتمي الجبّار الذي لاتأخذه في انهاء الوجود لومة لائم. ليبقى اختلاف طبائعنا وفلسفاتنا الشخصية تدور في حدود : هل ان فناءنا المؤكد يجعل الحياة المتاحة بايدينا أكثر جمالا وجدوى وتستحق أن تعاش بسعادة ، أم انها لاتستحق شيئا لانها فانية على اية حال؟
في الحالتين، من القنوط والياس أو الايجابية والرجاء فان رحيلنا الذي لابد منه يعد أعظمَ مقياسٍ للصدقِ والثباتِ لطهارة الإنسان وزهده وجمال روحه وتمتعِه”. بالسعادة التي أعظمها أن تُسعدَ مَن هم حولك ، اسرتك أو اصدقاءك أو رعيتك اذا كنت مسؤولاً، لتبدو صنائعك عند من يشكرك كما يقول علي (ع) ، وأن تغادرهذا العالم حين يحين الحتمي متخما بالسعادات لاديون في رقبتك، لا للناس ولا لله، باطمئنانٍ ودون صخب.