( ليس الشعر رأياً تعبر الألفاظ عنه ،بل انشودة تتصاعد من جرح دام أو فم باسم ) . جبران خليل جبران
الادب شعرا او نثرا تعبير تنبيء مخرجاته عما بلغته النفس من رومانسية ووعي واحساس متعال تنطق به الذات الكامنة كمنتج عن اختمار الثقافة الروحية مع الملفات الاجتماعية الظاهرة والخفية .. وقد مثل الادباء في الأزمنة القديمة المدونة الهوية الحضارية لتلك الأمم .. كما انهم شكلوا النسق الأول من خط المعارضة للحكم المتفرد والمنحرف .. لذا كانوا من أوائل من اطيح بهم وتعرضوا لانواع العذابات بما فيها التغييب بالموت ولم يفلت الا ما ندر او ممن اصطف مع ذلك الظلم واصبح سيف ودعاية له .
يحدثنا التاريخ القديم والمعاصر عن الكثير من ضحايا الادب والشعر ممن اطيح بهم بسبب وعيهم ومحاولتهم رفع شان الامة وتحسين مدركاتها لتعرف بظلامها الحقيقين والوقوف بوجههم .. بمعنى انهم شهداء طريق العدالة الاجتماعية . فقد اغتيل الكاتب الأردني ناهض حتر بثلاث رصاصات في العاصمة عمان بسبب كاركاتير نشره للسخرية من التطرف .. كما اغتيل المفكر فرج فودة بسبب تصديه للفكر الإرهابي في ابرز مؤلفاته ( الحقيقة الغائبة) . كما تم تصفية رسام الكاريكاتير الفلسطينى ناجى العلى باطلاق رصاص سجل ضد مجهول بعد ان اصبح من كبار روّاد التغيير السياسى . كما نجى الاديب المصري نجيب محفوظ الفائزة بجائزة نوبل للآداب من محاولة اغتيال فاشلة عام 1995 بذريعة ما ذهب اليه في روايته ( أولاد حارتنا) .
في الجزيرة العربية قبل الإسلام كان الاديب معوز بشكل غالب بسبب شؤم يطلقون عليه ( حرفة الادب ) وهي عبارة يراد منها آفة تصيب المثقف الواعي فتجعله معزول في مجتمعه محارب حد الفقر ونكد العيش . لذا تعاطف الأمير مسلمة بن عبد الملك أيام الامويين مع الأدباء حسب ما جاء في كتاب البصائر والذخائر لابي حيان التوحيدي .. اذ أوصى بثلث ماله لطلاب الادب لانهم اهل صنعة لا يهتم بهم احد ولا يصيبهم من حظ الدنيا شيء .
عام 1964 عاد علي شريعتي من فرنسا بعد حصوله على الدكتوراه وتم تعينه مدرسا في جامعة مشهد .. ثم عوقب بسبب وعيه الاجتماعي بنقله الى التعليم الابتدائي في قرية نائية للضغط والتقليل من شانه . الا ان محاضراته زادت محبيه الذين اطلقوا عليه لقب ( المعلم شريعتي ) لاعلاء شان المعلم .. مما اجبر السلطات الى اعادته الى جامعة طهران ومن ثم سمح له بمغادرة البلاد الى باريس عام 1977 حيث وجد مقتولا في فندقه .
في بداية الثورة العباسية تم تصفية الخصوم وقد بداؤا بابناء الثورة اذ تم اغتيال المفكر الثوري أبا سلمة الخلال الذي اطلق عليه لقب وزير ال محمد الذي كان سببا رئيسيا في بلوغهم سدت الحكم .. الا انهم نصبوا اليه كمينا بامر الخليفة السفاح واميره الخراساني . كما قتل عبد الله بن المقفع الذي يصفه الذهبي بأنه عالم بليغ فصيح وانسانا جوادا سخيا .. يُطعِم الطعام ويصل كل من احتاج إليه وقد قتله والي البصرة المهلبي من خلال تقطيعه وسجره بالتنور ثم ذر رماده وهو يتلذذ بالمنظر .
بعد عمر طويل قضاه الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري بخدمة المجتمع والمناداة بالتصدي للظلم وضرورة سيادة العدالة الاجتماعية ومع انه اول نقيب للصحفيين وحاز لقب شاعر العرب الأول لكنه اضطر الى مغادرة موطنه العراق والعيش منفيا في التشيك خوفا على حياته خاصة بعد ان سحبت منه الجنسية العراقية عام 1963 .. حتى توفى في الغربة فجر 27 تموز 1997 في دمشق ودفن في منطقة السيدة زينب ونحتت خارطة العراق على قبره كتب عليها ( يرقد هنا بعيدًا عن دجلة الخير) ..
مع انه القائل : –
حَيّيتُ سفحَكِ عن بُعْدٍ فحَيِّيني
يا دجلةَ الخيرِ، يا أُمَّ البستاتينِ