يحتل العمل النقابي مكانة مهمة جعلت منه حاجة ماسة لتحقيق المطالب وفرصة لزرع الوعي وتأهيل المجتمعات نحو تأسيس أرضية صحيحة لتنظيم الأمور على كافة الصعد وفق منظور الدولة الحديثة وتوسع المهن وسبل التعامل بعيدا عن التهميش والتعسف وتبديد الجهود ومصادرة الحريات والحاجة للارتقاء والتنمية وتحقيق الرفاهية المنشودة، ، وامام العمل والدفاع عن العمل نحتاج التمييز بينهما حيث يمثل الدفاع هذا دافع ذاتي لتحسين ظروف العمل وتحقيق افضل السبل لضمان حقوق العاملين عبر ممثلين من رحم المؤسسة العاملة ومحط ثقتهم يمتازون بالإخلاص و النزاهة والمهنية وفن التفاوض، لذلك علينا أن نفرق بين العمل النقابي والعمل بالقطاع الخاص والعام ومقدار الاختلاف بينهما بالشكل والمضمون على أرض الواقع حيث لكل منهما مهام ومسؤليات وواجبات متعددة تحتاج إلى فهم ودراية سيرد ذكرها في سياق الحديث و قد يعتقد البعض ان العمل النقابي والوظيفي واحد ومن ينجح هنا ينجح هناك وهذا الكلام ليس دقيق بحكم التجربة بل نقول قد يكون العكس صحيح ان من ينجح في العمل النقابي ممكن أن ينجح بالعمل الوظيفي حيث المساحة في العمل النقابي تحتاج مواصفات خاصة قد لا تتوفر عند القيام بالعمل الوظيفي الذي نجده يعمل باطار محدد من الوقت والجهد لا يخرج عنه ولا تتعدى اماله واحلامه أكثر من هذا النطاق لأسباب عده خشية المخاطرة بوظيفته أو غير ذلك وتجده لايهتم ولا يتفاعل مع اليات العمل النقابي لتحسين ظروف العمل وتطوير القدرات والمهارات وتحقيق الحد الادنى من الحقوق والحريات التي تساهم في تحسين دخله وظروفه وما نراه من توجه النظام العالمي نحو الأعمال كافة والسوق الحر والمؤسسات والتكتلات والتجمعات تجعل العمل الجماعي ياخذ طابعاً مختلفاً عن السابق حيث أصبحت الحقوق تنتزع بالمطالب الاحتجاجية والوقفات والمخاطبات وفق أساليب ووسائل متنوعه للتاثير في إيصال المطالب عبر مهارة الصياغة الإعلامية والتنسيق الدقيق وحسن التفاوض وقوة الضغط و التحشيد والمطاولة وعدم التفريط بالحقوق تحت أي قوة من الترهيب والترغيب. وهذه الصفات النقابية هي صفات شخصية يتحلى بها من له القدرة على التصدي لتحقيقها بخلاف من يتقاعس ويتكاسل خوفا من التعرض للتهديد أو التقاطع مع رؤساءه في العمل أو حتى زملائه لا يصمد أمام المغريات والملذات التي يميل إليها دون النظر للآثار والعواقب لتقاعسه وتقصيره في نصرة الحقوق المشروعة.
فالعمل النقابي كلما كان مستقلا يكون أكثر صلابة وتأثير حيث يشكل التدخل السياسي في العمل النقابي تجريد واضعاف لقوة العمل النقابي وهذا ما تسعى له كل سلطة حكومية لتحييد العمل النقابي ومحاولة الهيمنة عليه وتطويعه لصالحها حيث من المفترض العمل السياسي والعمل النقابي مساران لا يلتقيان مطلقا كون الاخير يسعى للوصول للسلطة بخلاف الأول الذي يعد العمل النقابي أكثر استقلالية تمكنه من العمل وفق قناعات قادرة على تحقيق الأهداف.
فالعمل النقابي واسع وفيه مرونة من العمل تمكن من يسير في مجاله ان يحرك الجماهير اذا كان يمتلك المؤهلات التي تجعل منه فاعل ومؤثر بما يمتلك من قيم عالية تجعله قدوة في مجال العمل النقابي فكيف اذا نجح العمل الوظيفي والنقابي وحصل اندماج وتفاعل يتحول فيه الشخص الى قائد نقابي ناجح يرسم صورة معبرة في توظيف القدرات والإمكانية لرفع الغبن و استرداد الحقوق وردع التعسف و الاستغلال وجعل المؤسسات النقابية مدارس للبطولة وتنمية المواهب وبناء القدرات لخلق مجتمع متماسك لتصحيح المسارات ورفد الدولة بالقوانين والأنظمة الناضج لوجود ورش تمتلك رؤى وافكار وتجارب عملية تشكل حاضنة للإبداع والتميز والتفوق الذي يساهم في تصحيح مسار حركة المجتمع وتضييق الخناق على الانتهازيين ممن يتصيد الفرص لتحقيق مصالح نفعية خاصة تتعارض مع قواعد السلوك الأخلاقي للعمل النقابي.