الكاتب ناجح صالح

 

 

من البديهيات التي نكاد نعرفها جميعا أن الفقر والجهل والمرض ما هي الا نتاج التخلف في مجتمع ما ، فاذا نجح المجتمع في استئصال هذه الآفات فهو مجتمع يخطو خطوات سريعة الى التقدم .

ومع ذلك فان الخطر لا يكمن في هذه الآفات فحسب ، فالتخلف الفكري هو الآخر يحمل في طياته جرثومة الفناء والدمار لأي مجتمع من المجتمعات .

وأبسط مثال نسوقه في هذا الصدد ، أن فئة من الناس تسلك سلوكا منحرفا وتحسبه في نظرها سلوكا لا غبار عليه سواء كان هذا السلوك قولا أو عملا ، لتجد نفسك حائرا مذهولا أمام هذه الظاهرة التي تخالف العقل والمنطق ، واذا وقفت مجادلا معهم يدافعون عن أنفسهم دفاع المستميت حتى يتراءى لهم أنهم على صواب وأنك أنت ضللت عن الحقيقة .

هذه الفئة من الناس قد غشيت عقولهم سحابة سوداء ثقيلة قيدتهم بقيودها ، وهم قد ورثوها عن آبائهم فلا مناص أن يكونوا أسرى تحت ظلالها .

أليست هذه ظاهرة من ظواهر التخلف ؟

ألم يكن عرب الجاهلية يعبدون الأصنام التي هي من صنع أيديهم رغم رقي شعرهم والقدح المعلى لفصاحته التي ليست لها سابقة ؟ وعرب الجاهلية هؤلاء بما فيهم قريش وقفوا الوقفة المعادية الشرسة ازاء نور الاسلام الباهر وآياته المعجزات .

ألم يكن الفرس يعبدون النار التي هم يورون قدحها رغم الحضارة المتألقة بين جوانبهم ورثوها من عهود غابرة ؟

ألم تكن حضارات وادي الرافدين ووادي النيل لها دلالتها وعظمتها وتأثيرها في التاريخ ، ومع ذلك كانت شعوب هذه الحضارات تدين بالوثنية والآلهة المتعددة وتقف موقف الضد أمام كل دعوة لعبادة الاله الواحد .

انه التخلف الفكري فرض نفسه بتأثير أسباب متعددة اكتسبها حينا وورثها حينا آخر دون الرجوع الى البحث عن الحقيقة .

وما تزال مجتمعاتنا حتى اليوم تئن من آفة التخلف الفكري هذه ، ليس في أوساط الجهلة فحسب بل حتى في أوساط المتعلمين ، ذلك لأنهم أصموا آذانهم عن الرأي الآخر ولا يريدون أن تحتويهم المعرفة ليتحرروا من ترسبات الأفكار البالية التي عفا عليها الزمن .

ان المسألة برمتها تحتاج الى وعي وادراك وبصيرة ، فرب جاهل لم يلتحق بالمدرسة يوما لكنه يحمل عقلا راشدا يفصل به بين الخطأ والصواب ، والخبيث والطيب ، والسيئ والحسن ، ورب متعلم لا يفقه من ذلك شيئا .

وهذه أمم الغرب تحمل مشعل التمدن والحضارة اليوم ولكن ينقصها العفاف .. العفاف بكل ما يحمله هذا المعنى ، واللبيب من الاشارة يفهم .

فاذا وقفت تجادلهم رموك أنت بالتخلف وأنهم وحدهم يحيون الحياة الحقيقية .

هذا هو النقص .. نقص في الادراك وعدم فهم الحقيقة ، وما أكثر الأفكار التي تحملها الرؤوس ، غير أنها أفكار حبست في سجن وقيدت بقيود ، فلا شمس أشرقت عليها ولا نسيم عليل طاف بها .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *