تكشف التفاهمات الاخيرة بين السياسيين الشيعة والاكراد عن مرونة سياسية لم تكن معتادة في السابق، وهي دليل على النضوج الى حد ما، بحكم أن ملفاً شائكاً ومعقداً مثل ملف النفط حين يتم التفاهم عليه بصيغة تضمن مساراً مستقراً يقود الى الخروج من دائرة الصراعات المزمنة التي لطالما خنقت الاقليم والمركز، يعتبر بحد ذاته مؤشراً على هذا النضوج.

ولعل هذه التفاهمات (الشيعية + الكردية) الناضجة تأتي لتمهد الطريق أمام جهود إقرار الموازنة الاتحادية (الثلاثية الاعوام)، وفي نفس الوقت ترسم خارطة طريق لتشريع قانون النفط والغاز والثروات الطبيعية، وهو ما يعني الذهاب باتجاه استقرار سياسي ثابت على المدى المنظور.

ولكن الى جانب هذه المتون السياسية المستقرة تظهر في أسفل الصفحات هوامش مضطربة، يبدو أن أصحابها يعيشون حالة عزلة تامة عما يجري حولهم من تطورات، او لربما يعيشون حالة تحجر تعود لفترة ما قبل داعش.

وهي نفس الحالة التي مرت بها بعض القوى السُنية ما بعد عام 2003، حين قررت هذه القوى مقاطعة العملية السياسية، وتعتبر مقاطعتها مؤشراً على عدم قدرتها على تقبل المتغيرات التي حصلت في العراق الجديد، مما يجعلها غير قادرة على تقبل معطيات عراق جديد اخر تشكل ما بعد 2014.

ومن هنا جاءت تصريحات خميس الخنجر الاخيرة حول موضوع (جرف النصر)، والتي لم تعد المتغيرات السياسية ما بعد داعش تتقبلها حتى ولو من باب المشاكسة الاعلامية، من ناحية أنه بات من غير المقبول الحديث عن عودة مناطق الإمارات الداعشية الى سابق عهدها، مثلما لا يمكن تخيل عودة الموصل كعاصمة لدولة الخلافة المزعومة مرة اخرى.

ولهذا يبدو الخنجر في حالة تحجر سياسي حين يتضمن خطابه الاعلامي مفردات تنتمي لسنوات صراع سابقة أكل عليها الدهر وشرب، واغلبها يأتي تحت يافطة (تهميش أهل السُنة)، في حين يعلم الجميع انه لم يعد هناك معنى للتهميش في ظل المحاصصة التي يحصل فيها كل مكون على استحقاقاته دون ان ينقص منها دينار واحد.

والدليل ما يراه الجميع من تنامي في ثروات وأموال القيادات السياسية السُنية داخل العراق وخارجة، ويشمل ذلك ثروات الحلبوسي وليس الخنجر فقط، بل ان الحلبوسي من فرط ما يملك صار يبني قصراً على الطراز العباسي دون أن تنزل له دمعة واحدة على النازحين والمغيبين الذين يتحدث عنهم الخنجر، وهو شريك الحلبوسي في صفقة (تحالف السيادة) التي تم من خلالها ابتلاع كافة استحقاقات المكون السُني.

وبالتالي لم يعد في يد الخنجر بعد أن اطلق تصريحاته الاعلامية حين قال: (سوف نصلي العيد في جرف الصخر)، غير أن يتراجع عنها بعد يومين عبر قناة الشرقية، وهو دليل على ان الرجل ليس في قاموسه غير مفردات تنتمي لسنوات الشحن الطائفي.

ولذلك يعتبر التصعيد الإعلامي (المچروخ) الذي يعيد الخنجر تكراره، هو نفس التصعيد الإجرائي (المچروخ) الذي يعيد الحلبوسي تكراره، بما فيها (الزعل) الذي لجأ اليه بهدف تعطيل أعمال مجلس النواب، على الطريقة نفسها التي اعتمدها قبل أشهر، وهو تحجر لم يأخذ بعين الاعتبار المتغيرات التي لم تعد تتطلب وجود ثلثين داخل البرلمان لعقد جلسة او تمرير قانون.

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *