عالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو يقول ” أن الدولة تبدأ باستبداد سياسي وتنتهي باستبداد رمزي – طور الترف- ” ، أذ يُعد الاستبداد الرمزي أحد أهم العوامل الفاعلة في انهيار الدولة، والذي يصفه أبن خلدون بأنه ( خلق التأله) للحاكم.

ومع دخول الألفية الثالثة بدأ واضحاً أن نهاية الكثير من الحكام العرب( وبنحوٍ خاص دول ما سميت دول الربيع العربي) قد بدأت نهاياتهم تتضح للعيان بعد أن أوغَلوا في البذخ والإسراف والترف في وقت كانت شعوبهم تعيش حالات من الفقر والبؤس والحرمان، هذا الترف كان من أهم العوامل التي أدت لخراب هذه الدول، فقد غَير هؤلاء الحكام من استبدادهم القمعي لاستبداد رمزي، والتاريخ يذكر لنا واقعة أو ثورة كلامية ولسانية قادها الصحابي أبو ذر الغفاري بمفردة، عندما شاهد معاوية يقف بزهو ينظر إلى قصر الخضراء في الشام والألاف من العمال يشتغلون في بنائه، فخاطبة قائلاً ” أن كانت هذه من مال الله فهي خيانة، وأن كانت من مالك فهي الإسراف “، والكثير من الحكام جمع بين السلطة والمال.

مثل هذا الكلام ينطبق على الكثير من الحكام العرب، ففي الوقت الذي كان فيه الشعب العراقي يئن تحت وطأة الحصار الجائر، كان الحاكم يبني قصوره وفي مفارقة مضحكة أطلق عليها ( قصور الشعب)، وكانت تقام فيها حفلات ميلاده ببذخ وإسراف وبالمقربة منها الآلاف من البطون الجائعة، كان هذا إيذاناً بقرب انتهاء حقبة حكم مستبد، وبعد دخول قوات الاحتلال بغداد يوم 9/4/2003 أندفع مئات الآلاف من أبناء الشعب العراقي للبحث عن أبنائهم المغيبين في سجون السلطة، وبعد أسابيع من البحث قذفت الأرض بالآلاف من الهياكل العظمية لمغدورين من أطفال ونساء وشيوخ في ظاهرة لم يعرف لها العراق مثيل، وهي ظاهرة المقابر الجماعية وهذه كانت كافية لإدانة نظام استبدادي، وفي ذات الوقت لا أنزه من جاء بعد السلطة التي حكمت العراق من عام 1968-2003 من ممارسة الاستبداد وبأشكال مختلفة رغم من تغير نظام الحكم من الشمولي إلى الديمقراطي، فقد دخل الحكام الجدد في صراعات سياسية أدت لخلق وتفاقم أزمات اقتصادية واجتماعية وسياسية عصفت بالبلاد وكادت أن تمزق النسيج الاجتماعي للمجتمع العراقي، لقد تنسى هؤلاء أن البعث كرس لأيديولوجية وأفكار في النفوس أثرت كثيراً في تجميل صورة الحاكم وإبرازها بشكل مؤثر للرأي العام المحلي والــــــعربي لاتزال حتى هذا اليوم جاذبة للكــــــثير وحتى للذين لم يعاصروه، في ذكرى الغــــــزو والاحتلال نُذكر عسى أن تكون هذه الذكرى عَبره واعتبار لكل حاكم مستبد، لأن الحكام يرحلون والأوطان والشعوب باقية.

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *