ها قد مرت عشرون سنة على غزو العراق من قبل التحالف الدولي الذي قادته امريكا في التاسع عشر من آذار 2003 لتنهي في التاسع من نيسان من السنة ذاتها حقبة من تاريخ العراق بكل مافيها بإدعاء تحرير العراق من النظام الشمولي السابق والبحث عن اسلحة الدمار الشامل التي لم يعثر على أي شيء منها. ولكن البوادر الاولى لذلك الغزو كانت تقول عكس ذلك تماما فمَنْ ينوي تحرير بلدٍ من نظام شمولي بغض النظر عن رأينا وآراء الناس به لا يأتي معه بعصابات دُربت في المجر خصيصا لنهب المتاحف العراقية وسلب وتدمير المؤسسات الحكومية والبنوك والمقرات العسكرية بكل انواعها انما من المفروض ان يسعى لإزاحة النظام ثم الحفاظ على الدولة ومؤسساتها العامة والخاصة لكي يتم إكمال ما موجود وإصلاح ما دمرته الحروب والحصار فيه .

لكن ما حصل في اليوم الأول للغزو من نهب لآثار العراق إنما يدل على حقد دفين ضد هذه الحضارة التي تعتبر أُولى واعرق الحضارات على وجه الأرض من قبل دول حاقدة لا تمتلك سوى تاريخ في أحسن احواله لا يتجاوز أصابع اليد من القرون في حين إن حضارة العراق تجاوزت العشرة آلاف سنة في بعض مراحلها .

نهب اموال

تزامن مع هذا الحقد الازلي على العراق وتاريخه عملية تدمير مبرمج لمؤسسات الدولة ونهب أموالها وممتلكاتها وبنوكها ومصارفها ومعسكراتها بقصد إنهاك اقتصاد البلد وجعله اقتصادا إستهلاكيا للمنتجات الأجنبية فقط دون أن يستطيع حتى زراعة الخضراوات بحيث يتم إغراق أسواقه بمختلف المنتجات التافهة التي تقل في اسعارها عن تكلفة المنتج المحلي صناعيا وزراعيا وخدميا هذا بالإضافة الى الهدف المهم الآخر وهو إستغلال النفط العراقي بإسم الإستثمار بحيث دخلت الشركات الإستثمارية ( الإستعمارية) بكل ثقلها لتسيطر على إنتاج النفط في البلد بطريقة جولات التراخيص المعروفة .والأهم من كل هذا وذاك كان هناك هدف آخر اخطر من كل تلك الأحداث التدميرية آنفة الذكر أَلا وهو التدمير المنهجي للإنسان العراقي لإلغاء إنتماءه الوطني العراقي وجعله يتقوقع ضمن إنتماءات طائفية وعرقية وبالتالي تحريك الفتن بين أعراقه وطوائفه مما أدى إلى إحداث شرخ كبير بين أبناء الوطن الواحد قد يحتاج إلى عشرات السنين لإصلاحه وبالتالي فقد أدى هذا التقوقع العرقي والطائفي الى الإرتماء في أحضان دول الجوار والدول المؤثرة في الوضع العراقي القريبة والبعيدة وأغلبها لديها مشاريع توسعية تستهدف العراق والوطن العربي وبالتالي هذا جعل من هذه الأطراف الخارجية تستغل المرتمين في أحضانها لإستخدامهم كقوة تقاتل بها المشاريع المنافسة كل حسب ميوله الداخلية والخارجية مما أدى إلى حروب بالنيابة على أرض البلد وبأبنائه فيكون الخاسر الوحيد هو البلد وشعبه لأن المتقاتلين هم أبناء البلد والقتال يدور في أرض البلد والتدمير الناتج عنه هو في البلد وبناه التحتية مما أدى إلى ملايين النازحين داخل البلد وخارجه و من كل فئات الشعب ، بينما لم يخسر المستفيدين الخارجيين لا بـــشر ولا حجر ولا شجر .يضاف لكل ما تقدم ذكره من دمار للانسان والبنيان والبستان نجد أن الأمية قد غزت البلد بشكل لم يسبق له مثيل وإنهيار لنظم التربية والتعليم والنظام الصحي والخدمي وجيوش جرارة من العاطلين عن العمل عدا ما أحدثه دخول تكنولوجيا الاتصالات الحديثة وشبكات الانترنيت من تدمير كبير في الوضع الاجتماعي وإنهيار للقيم والاعراف التي كانت تسود المجتمع العراقي بكل أطيافه فصار التقليد الأعمى لكل ما يراه الشباب العراقي في هذه الشبكات والمواقع الألكترونية دون وعي ومطابقةٍ لواقعنا وتقاليدنا الاجتماعية والدينية مما أدى إلى انهيار كبير للنظام الديني والاخلاقي ناهيك عن الفساد الاداري والاقتصادي والمالي الذي ساد خلال كل هذه الفترة دون اي بصيص امل في الحد منه.

هذا بعض من حصيلة عقدين من الزمن الذي مر على الغزو الامريكي الغاشم وحلفائه لبلدنا الحبيب ولازلنا ننتظر الأسوأ ما دامت ديمقراطيتنا الفتية ( التي تجاوز عمرها عشرين سنة ولا زالت تأبى ان تنضج ) تعتمد على المحاصصة والشحن الطائفي والعرقي للأسف.

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *