في منتصف الثمانينات تقريباً، وأوار الحرب اللعينة في أشدها، إلتحق أحد رفاقي المقاتلين في وحدتي العسكرية من إجازته الإعتيادية في جبهات القتال، وهو من إحدى محافظاتنا الجنوبية العزيزة، وكان في أشد همومه وجزعه، سألناه ما بالك؟! فأجاب بأن أم زوجته كبيرة في السن ولديها قطعة أرض زراعية، وحاول أحد “الرفاق” الحزبيين المتسلطين الكبار الإستحواذ عليها، بحجة ان الأرض تعود له!! فسألته هل لديها وثائق تثبت ذلك؟ فقال نعم وثائق بسيطة غير رسمية.. فقلت له حاول أن تنسخها لي، لغرض رفقها مع الشكوى التي سأرفعها عنها عبر (شكاوى المواطنين) في الصحافة، كوني على إتصال دائم بالصحافة هنا وهناك.

وفعلاً في إجازته الثانية جلب الوثائق معه، وسلمها لي، وعند إجازتي كتبت هذه الشكوى ووقعتها (نيابة عنها)، كونها لا تقرأ ولا تكتب، ورفقت معها هذه الوثائق (البسيطة جداً) وذهبت إلى جريدة الجمهورية الغراء وسلمت الشكوى لـ (الإستعلامات) وبعد بضعة أيام نشرت… وسأتحدث لكم ماذا حدث بعد النشر، حسب ما نقله لي صاحبي بعد إجازته اللاحقة، وهو في أشد فرحه وسروره، قائلاً بإعجاب: بعدما نشرت الشكوى في الجريدة، وجه ديوان الرئاسة بتشكيل لجنة فورية ما بين الديوان ومحافظة صاحبة الأرض، وقد اتخذت الإجراءات اللازمة السريعة، وتم إنتزاع الأرض من (الرفيق الغاصب) وإعادتها إلى صاحبتها الشرعية، رغم وثائقها الضعيفة.

هكذا كان واجب مكاتب العلاقات والإعلام في وزاراتنا، في شكاوى ميادين حياتنا اليومية كافة، حيث تتخذ الإجراءات الفورية بين جميع الجهات ذات الإختصاص، وتكون ملزمة برد نشر الإجراءات المتخذة، يومياً، أمام مسمع ومرأى ونظر الجميع. حتى الآن لم نلمس هكذا مواقف مهنية وإنسانية وأخلاقية، من مكاتب العلاقات والإعلام الحكومية، مثلما كانت سابقاً؟!

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *