الإتفاق السعودي الإيراني على إستئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما وإعادة فتح السفارات هو حدث كبير بكل المعايير، صداه يتردد في الإقليم والعالم وتأثيراته المستقبلية وأبعاده لا تقتصر على البلدين فقط إنما تتعدى ذلك إلى الشرق الأوسط برمتهِ.

ما يُزيد هذا الحدث الإقليمي المُفاجئ أهمية هو الإنخراط الصيني في التنسيق الشائك كوسيط وراعي وضامن الى جانب الطرفين الأساسيين في تأكيد على تنامي وجود بكين في المنطقة بالإضافة إلى الترحيب العربي والدولي والتطورات المتسارعة التي نتجت عن التفاهم والتي تتوالى أنباؤها بشكل شبه يومي…منذُ قيام الثورة الإسلامية في إيران 1979? منذُ أكثر من أربعة عقود، مرّت العلاقة بين الرياض وطهران بالعديد من الصعوبات والعقبات أو المطبات بدءاً من شعارات تصدير الثورة الخمينية والحرب العراقية الإيرانية وحادثة مكة 1987 مروراً بالنزاع الطائفي في العراق وأحداث 7 آيار في لبنان واحتجاجات دوار اللؤلؤة في البحرين والقضية السورية والتدخل السعودي في مأزق اليمن وصولاً إلى اقتحام وإحراق مبنى السفارة السعودية في طهران والقنصلية السعودية في مشهد رداً على إعدام رجل الدين السعودي الشيعي نمر النمر مما أدى إلى قطع التواصل نهائياً بين الجمهورية في شمال الخليج والمملكة في جنوبه وغربه.هذه الفصول وغيرها من الأزمات والمواجهات أو الاشتباكات خلقت واقع مؤلم في هذه البقعة من الأرض، حكومات فاشلة وبرلمانات تنهمك بالتنازع على الحصص وانقسامات مجتمعية مذهبية وميل جارف نحو استباحة الدول ومحاولات للتغيير الديمغرافي واقتصادات مترنحة وعملات مهددة وغياب للحد الأدنى الضروري من الخدمات ومدن يكتظ العاطلون عن العمل في شوارعها حتى يدفعهم اليأس إلى قوارب الموت.

مواجهة العقود

لا يستطيع الشرق الأوسط مواجهة العقود المقبلة باللغة السابقة، يحتاج الى قاموس جديد يغلب هاجس الاستقرار والتقدم على هاجس القتال والانتصار وعلى هذا الأساس جاءت المصالحة لفتح الباب المغلق منذ سنوات، لحظة التوقيع كانت بين مساعد العيبان مستشار الأمن الوطني السعودي والادميرال علي شمخاني أمين سر المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني يتوسطهما وانغ يي مدير اللجنة المركزية للشؤون الخارجية الصينية ثم ظهرت الآثار مباشرةً حيث رأينا الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي مع نظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان بحضور تشين جانج وزير خارجية الصين، بعد ذلك، طار فيصل المقداد وزير خارجية سوريا نحو جدة وذهب سفير السعودية في اليمن محمد آل جابر إلى صنعاء وتمت عميلة تبادل الأسرى بين حكومة عدن وجماعة الحوثي.

المصالح هي الصخرة التي تُبنى خلالها المواقف السياسية لذلك حصل التوافق حيث تؤمن السعودية أن التوترات الأمنية هي الخصم اللدود للنهضة وهي تعمل على دفع عجلة التنمية والازدهار بينما تحتاج إيران إلى فرصة لتلتقط أنفاسها وتأخذ قسطاً من الراحة للتخفيف من الضغوطات سواء من العقوبات الدولية المفروضة عليها أو المظاهرات الداخلية المستمرة ولو بوتيرة منخفضة في هذه الفترة أما الصين فلها منفعة مباشرة في التوصل إلى هدوء إقليمي يحمي مصالحها الاقتصادية فهي تحصل على نصف وارداتها البترولية من الخليج في حين أن إدارة الرئيس الأمريكي بايدن التي تفضل اللعب خارج المنطقة، لم تكن تتوقع أن تجد نفسها بعيداً عن هذا التحول المفصلي، فإذا وقع فليكن عن طريقها فإذا لم يكن فليس من خلال الصينيين خاصةً الذين يطمحون بدون شكّ إلى التوغل في الشرق الأوسط ومع ذلك، ستظل واشنطن لاعباً مهماً في السنوات المقبلة والشريك العسكري لدول مجلس التعاون الخليجي.لكن ماذا عن الأقطار التي تصدعت مؤسساتها بفعل التجاذب الايديولوجي ونفوذ أذرع إيران فيها ؟ استوقفتني عبارة سحرية في البيان الختامي هي (إحترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية)، لا يحتاج المرء إلى أرقام ليثبت النتائج الكارثية التي نجمت عن إختراق الخرائط لكن ما مدى مصداقية نظام طهران في تفعيل هذه الفقرة ؟ هل هي مستعدة للتفريط والتنازل عن المكتسبات التي حازت عليها في الهلال الخصيب وجنوب شبه الجزيرة العربية ؟…لعل التفاؤل في الإتفاق مبالغة والتشاؤم يقفل نافذة التأريخ فقد تكون بداية سلام حقيقة في هذا الركن من العالم، لذلك تقع على رجال الدول المنكوبة مسؤولية الإعتماد على أنفسهم بعيداً عن القوى الإقليمية في تفعيل الهوية الوطنية على سائر الانتماءات والبدء بطرح الأولويات والشروع بإرادة الشعوب في تقديم منطق الدولة على فضاء الفصائل.

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *