بعد محاولة اغتيال الرئيس المصري السابق حسني مبارك دخل السودان في منظومة عقوباتٍ اقتصادية، أخرجته من الاقتصاد العالمي.
ثقة امريكية
ظل السودان يحاول الخروج من العقوبات طيلة السنين الماضية ولم يستطع ذلك، لأن الرئيس السوداني الحالي عبد الفتاح البرهان قد وثق بالأمريكي وهذه نهايته. فقد وعد المجتمع الدولي السودان برفع العقوبات في العديد من المناسبات، خاصةً عندما طلب من السودان التوقيع على اتفاقية فصل الجنوب، وعندما وقع السودان على الفصل تنكّر المجتمع الدولي وتنصّل من وعوده بالدعم الاقتصادي وإعفاء الديون، وخسر السودان 75% من دخل البترول، رغم أن السودان هو الذي تحمل تكاليف بناء الآبار والمحطات البترولية، واستبعاد دولة الجنوب منها، مع العلم أن كل هذه المنشآت مثل الموانئ وخطوط النقل قام السودان بإنشائها، لكنها تخدم اقتصاد دولة جنوب السودان الآن.
ثم تدهور الاقتصاد السوداني بسبب الأزمات العالمية والفساد، واشتعلت المظاهرات التي أسقطت البشير، وبدأت تدخلات دول الجوار التي حاولت انتزاع السلطة من الإسلاميين، وتم طردهم من المؤسسات، وتمت مصادرة أملاكهم وبقي للمعارضة السودانية الجديدة مؤسسٌة واحدة فقط، وهي المؤسسة العسكرية وتم الضغط على هذ المؤسسة لكي تقوم بتصفية الوجود الإسلامي فيها، وفعلًا تم إعفاء الكثير من الضباط بأمر من البرهان، لكن الأخير لاحظ أن المعارضة السودانية المتمثلة في قوى الحرية والتغيير، هذا الكيان الذي ليس له وجود إلا في الفيس بوك، قد بدأت تزيد من طلباتها وتستهدف تغييرًا عقائديًا كاملًا للمؤسسة العسكرية.
فقام البرهان بانقلاب أكتوبر عام 2021 وتضامن معه حميدتي بهدف الحفاظ على اتفاق جوبا، الذي يعطي مبلغ 700 مليون دولار سنويًا للفصائل المسلحة الموقعة عليه. غير أن البرهان حين كشف المخطط الأمريكي بأن انقلاباً ما يستهدفه، سارع إلى إطلاق أول رصاصة انقلاب، فتكت بالاتفاق الإطاري الذي ينص على أن الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في وحدة أمنية واحدة يشرف عليها ويقودها رئيس الوزراء ووزير الدفاع، مما يؤدي إلى فقدان الجيش السوداني للسلطة والتحكم في موارده والتحكم في الاقتصاد السوداني وتلقي الدعم الخارجي، ما دفع البرهاني إلى التدخل الاستباقي لتفادي سقوط السودان وتفكيك جيشه على غرار التجربة الليبية.
مشروع التطبيع
ومن الواضح، أن مشروع التطبيع في السودان كان يهدف إلى تحقيق دولة مدنية وانتقال ديمقراطي، بحجة تحقيق الديمقراطية والعدالة غير أنها كانت محاولة تهدف إلى تدمير وحل الجيش السوداني ودعم قوات الدعم السريع، وبخاصة تلك القوت تملك عقيدةً وذخائر حديثة، وهم كانوا يتلقون التدريب في روسيا، وفي صفوفهم جماعاتٌ من الإخوان المسلمين المدعومة من دول الخليج كانت تحقق أهدافاً للأمن السعودي في كلٍّ من اليمن وليبيا.
وبالتالي، من الواضح أن قوات الدعم السريع المدعومة من جهات خارجية سوف يتم دعمها من أجل إضعاف وتفكيك الجيش السوداني وتفكيك السودان عبر تدخل الناتو والولايات المتحدة الأمريكية المباشر في السودان، بحجة الدعم الإنساني وتحقيق الأمن والاستقرار في تلك الدولة، لمصلحة محمد حمدان دقلو الملقب بـ حميدتي. ما سوف يشجع دول الجوار على الدخل في السودان من أجل التنافس على موارده سواء إثيوبيا التي لها أطماع تاريخية في ميناء السودان وسوف تستولي على منطقة القضارف وما يحيط بها من أراضٍ خصبة والتي تروى بالري المطري، والتي تعد سلة غذاء العالم. إضافةً إلى دولة تشاد ذات التدخلات القبائلية بين دارفور وتشاد، حيث أن كل الحركات المسلحة داخل السودان تحصل على دعم من امتداداتها القبائلية ضد الجيش السوداني، الأمر الذي سوف يعزّز الإرهاب في مناطق الجوار. وقد يجعل من السودان أرضاً خصبة للجماعات الإرهابية، في حال سقط الجيش والحكومة السودانية.
وبالختام، لا شك أن الجميع مستفيدٌ من سقوط السودان والجيش السواني، غير أن السؤال المُلح هنا، هل الأنظمة العسكرية حاجة ملحة لضمان استقرار وأمن تلك الدول المستهدفة، أم أن المشروع الديمقراطي الذي اجتاح المنطقة منذ لحظة الربيع العربي كان يستهدف الدول العربية وإسقاط جيوشها وعقيدتها بحجة نشر الديمقراطية المزعومة ونشر الفوضى؟ ينبغي إيجاد حلول لهذه الحوادث المستأنفة والممنهجة، ليس من الجانب السياسي والعسكري فقط، بل من الجانب الثقافي والفكري أيضًا، وخاصًة أن السودان محكوم بنزاعات قبلية وإثنية قاتلة، يجب الحد منها بهدف تخفيف وتيرة العنف والإرهاب في تلك الدولة، والدول المجاورة.
{ كاتبة لبنانية