حين‭ ‬حدثت‭ ‬الحرب‭ ‬الكبيرة‭ ‬في‭ ‬العراق،‭ ‬ومن‭ ‬بعدها‭ ‬وقعت‭ ‬الحروب‭ ‬الجزئية‭ ‬بالنيابة‭ ‬حيناً‭ ‬وبالأصالة‭ ‬حيناً‭ ‬اخر،‭ ‬وغرقت‭ ‬البلاد‭ ‬بحكومات‭ ‬الاصطناع‭ ‬الحزبي‭ ‬السيء‭ ‬،‭ ‬جرى‭ ‬تدمير‭ ‬هيكلية‭ ‬الصناعة‭ ‬العراقية‭ ‬وما‭ ‬يتصل‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬مصافي‭ ‬نفط‭ ‬ومحطات‭ ‬توليد‭ ‬كهرباء‭ ‬ومبازل،‭ ‬ومرّ‭ ‬البلد‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأولى‭ ‬بعد‭ ‬احتلاله،‭ ‬وقد‭ ‬بدا‭ ‬أجردَ‭ ‬عارياً‭ ‬من‭ ‬مقومات‭ ‬الدولة،‭ ‬ماعدا‭ ‬جانب‭ ‬واحد‭ ‬لم‭ ‬يستطع‭ ‬أحد‭ ‬أن‭ ‬يقتله‭ ‬أو‭ ‬يحيله‭ ‬الى‭ ‬ركام‭ ‬ورماد‭ ‬برغم‭ ‬النسبة‭ ‬العالية‭ ‬من‭ ‬الإهمال‭ ‬الرسمي،‭ ‬ألا‭ ‬وهو‭ ‬الفلاح‭ ‬وما‭ ‬يزرع‭ ‬الفلاحون‭ ‬الذين‭ ‬بقوا‭ ‬ملتصقين‭ ‬بأرضهم،‭ ‬وأقصد‭ ‬الفلاحين‭ ‬الأصلاء‭ ‬ومن‭ ‬ذوي‭ ‬المهنة‭ ‬المتوارثة‭ ‬كسياقات‭ ‬تعلّق‭ ‬غريزي‭ ‬بتراب‭ ‬الوطن‭ ‬ورائحة‭ ‬المحاصيل‭ ‬التي‭ ‬تنبت‭ ‬فوقه‭ ‬منذ‭ ‬مئات‭ ‬السنين‭ .‬

غير‭ ‬انّ‭ ‬عوامل‭ ‬داخلية‭ ‬عديدة،‭ ‬ومنها‭ ‬غياب‭ ‬الخطط‭ ‬الزراعية‭ ‬الوطنية‭ ‬الواعية‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الفترات،‭ ‬جعلت‭ ‬البلاد‭ ‬تستورد‭ ‬الفجل‭ ‬والكراث‭ ‬والبصل‭ ‬والبطيخ‭ ‬والخيار،‭ ‬وسمعنا‭ ‬عن‭ ‬حجج‭ ‬ساقها‭ ‬مزارعون‭ ‬طارئون‭ ‬ومديرون‭ ‬ووزراء‭ ‬سابقون‭ ‬بشأن‭ ‬عدم‭ ‬الجدوى‭ ‬الاقتصادية‭ ‬لزراعة‭ ‬المحاصيل‭ ‬الزراعية‭ ‬الصغيرة‭ ‬والاتجاه‭ ‬نحو‭ ‬المحاصيل‭ ‬الكبيرة‭ ‬في‭ ‬الانتاج‭ ‬والايراد‭ ‬ومنها‭ ‬القمح‭ ‬والشعير‭. ‬والمسألة‭ ‬ليست‭ ‬بهذا‭ ‬التبسيط،‭ ‬وإنّما‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬تقصير‭ ‬مزمن‭ ‬من‭ ‬كيان‭ ‬الدولة‭ ‬ككل‭ ‬في‭ ‬اعلاء‭ ‬شأن‭ ‬الصفة‭ ‬الزراعية‭ ‬للبلد‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬منذ‭ ‬أقدم‭ ‬الأزمان‭ ‬البلد‭ ‬الزراعي‭ ‬الأول‭ ‬في‭ ‬العالم‭.‬

‭ ‬هناك‭ ‬صلة‭ ‬غير‭ ‬مكتملة،‭ ‬وأحياناً‭ ‬غائبة،‭ ‬مع‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬الزراعية‭ ‬التي‭ ‬تستخدمها‭ ‬البلدان‭ ‬المتقدمة،‭ ‬وهذه‭ ‬الصلة‭ ‬ليست‭ ‬مستوردة‭ ‬من‭ ‬الخارج‭ ‬دائماً،‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬متحققة‭ ‬في‭ ‬العقود‭ ‬السابقة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التلاقح‭ ‬والتعاون‭ ‬مع‭ ‬البحث‭ ‬العلمي‭ ‬في‭ ‬الجامعات‭ ‬والعقول‭ ‬المبتكرة‭ ‬في‭ ‬هيئة‭ ‬الطاقة‭ ‬الذرية‭ ‬الملغاة‭.‬

إنّ‭ ‬النهوض‭ ‬الزراعي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يجد‭ ‬مساراته‭ ‬الواصلة‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬أسرع‭ ‬من‭ ‬آمالنا‭ ‬المؤجلة‭ ‬في‭ ‬النهضة‭ ‬الصناعية‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬مرهونة‭ ‬بالكامل‭ ‬للإرادات‭ ‬الدولية‭ ‬ذات‭ ‬التمويل‭ ‬والتصنيع‭.‬

‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الوقت،‭ ‬نحن‭ ‬بحاجة‭ ‬الى‭ ‬تشريعات‭ ‬ساندة‭ ‬للفلاحين‭ ‬والمزارعين‭ ‬والقطاع‭ ‬الزراعي‭ ‬كله،‭ ‬بما‭ ‬يجعل‭ ‬التنمية‭ ‬الزراعية‭ ‬قوة‭ ‬نافذة‭ ‬في‭ ‬الدخل‭ ‬القومي،‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬جوار‭ ‬العراق،‭ ‬تلك‭ ‬البلدان‭ ‬التي‭ ‬مهما‭ ‬جرت‭ ‬فيها‭ ‬الأنهر‭ ‬لا‭ ‬أحدَ‭ ‬يُسميها‭ ‬بلاد‭ ‬الرافدين‭

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *