انطلاقاً من الفكرة السائدة في حقل المنهجية(المفهوم يُؤسّس للنظرية، والنظرية هي انعكاس للممارسة، أيضاً هي بناء مفاهيمي واضح ومُحدّد ومتّسق ضمن نموذج معرفي)،تُساورنا مساقات واقعية ومعرفية لعملية بناء الدولة؟،فقد تحول مفهوم عملية بناء الدولة معرفياً من المدرسة الدستورية إلى التحليل النسقي تبعاً لمنطق الثورة العلمية ،،ونفس المنطق تكرّر داخل المنعطف ما بعد السلوكي، ومع مدرسة التحديث والمنظور التنموي أيضاً في المؤسساتية الليبرالية الجديدة ونظريات الخيار العقلاني،؟إنّ النظرية التقليدية لعلم السياسة تفترض أنّ وحدتها الدراسية الكبرى هي الدولة، ولكن هذه النظرية تتهاوى الآن أمام نظرة جديدة تعتبر أنّ حصر البحث السياسي بالدولة هو تضييق له، لأنّ هناك أنظمة سياسية قَبَلِية، تتجلّى فيها الظاهرة السياسية وتُمارس فيها السلطة أو القدرة بدون أن تكون القبيلة دولة بالمعنى القانوني المصطلح عليه، ويمكن اعتبار هذه النظرية الجديدة ثورة منهجية؟؟، ولذلك يُرجّح الآن في تعريف النظام السياسي الاعتبار الاجتماعي على الاعتبار القانوني أو الدستوري؟؟،وتكمن الخلفية المعرفية لذلك، في أنّ النظرة الدستورية التقليدية لبناء دولة المؤسسات، برزت حينما بدأ المشتغلون بالمجال يركزون جهودهم على البناء الدستوري والمتغيرات القانونية والمؤسسية، حيث سادت خلال هذه المرحلة، النزعة المعياريةوالنظرية الفلسفية القائمة على النمطية (الشكلية) والتاريخية،،لقد كانت المثالية هي السائدة في الطرح نظراً للبحث عن تجسيد دولة القانون التي كان يُعتقد أنّها ستمكّن الفرد الأوروبي أو الأمريكي من تخطي ويلات الحرب العالمية الأولى وما خلّفته على البنية الاقتصادية والسياسية للدول.
نظرية دستورية
على الضد من ذلك، جاء التحليل النُظمي النسقي كتحدّي مُقاوم للنظرية الدستورية التي أعطت أهمية بالغة للبنية والهيكل، وأهملت تحليل حركية النظام السياسي،فالسلوكية ترى بأنّ التفاعلات التي تنتفي في إطارهذا النظام، تمثل الدَولةأحد أشكالها وذلك يتم في إطار العملية السياسية التي تضبط تفاعلات النظام ليصل بها في النتيجة إلى الهدف المطلوب وهو (بناء الدولة)،، أنّ بناء الدولة في جوهرها هو عملية سياسية لأنّ النظام السياسي في حالة حركة تفاعلية دائمة مع البيئة الداخلية والخارجية،والغايات التي وُجدت من أجلها الدولة تجد أصولها المعرفية ضمن نموذج (التحليل النسقي)، فالتأييد أو المساندة قد تكون مُوجهة للمجتمع السياسي والنظام أو الحكومة، وهذه المستويات الثلاثة هي نفسها مستويات الشرعية،،حيث أنّ التأييد يوفر الطاعة والولاء للنظام السياسي،،لذلك ينبغي الاتجاه إلى إعادة النظر في مفهوم عملية بناء الدولة، لأنه لم يبقى حبيساً للنظريات السياسية في النموذج الليبيرالي، فالنيوليبيرالية تفترض أنه بدلاً من بناء الدولةيجب الحديث عن إعادة بناء الدولة،خاصة في دول العالم الثالث، لأنّ هذا المفهوم، في الأخير، هو متغيّر حسب السياقات التاريخية والثقافات الإنسانية السائدة،فرغم الدراسة النظرية لهذه الظاهرة إلاّ أنها لم تستوفي الشروط الإجرائية، على هذا الأساس قامت النظرية السياسية المعاصرة بتوليف مستويات التحليل في براديم جديد أساسه العدل والشرعية، لأنّ هذه القضايا هي من صميم احتياجات الفرد الراهنة داخل المجتمع، من هنا الضرورة الحتمية لمفهوم بناء الدولة المستجيبة وفق هذة الاطر التي تساعد على بناء دولة بمنظور متكامل.
{ رئيس مركز اليرموك للدراسات والتخطيط الاستراتيجي.