ما أن عادت مساعدة وزير الخارجية الأمريكي باربارا ليف من عمان وبغداد وأربيل، حتى باشر مستشار الامن القومي الأمريكي جايك ساليفان بزيارة في غاية الأهمية الى السعودية يجتمع خلالها حول أمور تخص الاستراتيجية الجديدة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، ويحضرها مسؤولون كبار من الامارات العربية والهند ، بما يوحي سعة الفرشة العامة التي تعمد واشنطن الى رسمها من جديد، في وقت انطفأ الكلام حول الملف النووي الإيراني ومفوضاته المتوقفة مع الدول الغربية، وكأنه شيئا لم يكن لاسيما بعد ان جرى اعلان اتفاق المصالحة التاريخي بين السعودية وايران.
ما يهمنا هنا أمران، الأول هو انَّ المسؤول الأمريكي أكد حقيقة طالما كانت تظهر وتختفي في السنوات الأخيرة، وهي انّ هناك بالفعل استراتيجية أمريكية جديدة جديرة بأن تناقش مع الدول الاقليمية الكبيرة والحليفة.
والأمر الثاني، هو أين موقع العراق في خارطة تلك الاستراتيجية، بعد عشرين سنة من صعود العراق الى قلب الاستراتيجية الامريكية من خلال بوابة الحرب الكبيرة في احتلال البلد العام 2003 ، وما تبعها من حروب واضطرابات شتى، ما كانت الحصيلة الربحية في أي تفسير متاح لصالح الولايات المتحدة، فما قدمته واشنطن من خسائر في البشر والمال والسمعة كان كبيراً ، وفي معظم الأحيان غير مبرر لكنه في النهاية لا يشجع اية إدارة أمريكية على إعادة التجربة ليس في العراق وحده، وانّما في عموم المنطقة، بنفس المواضعات والمنطلقات التي كانت في أعقاب شرارتي حربي افغانستان والعراق.
منذ قبول الامريكان بإعادة نظام طالبان الى حكم أفغانستان ونسف كل ما بنوه في عقدين ، باتت الاستراتيجية واضحة في التخلي عن الحروب كأداة تنفيذية. لكن ما حدث في أفغانستان لا يعني مطلقا القبول بإعادة النظام السابق الذي ليس له وجود أصلا لأنه كان مرتبطاً بفرد واحد وانتهى بنهايته برغم كل الكلام المزايد، ولكن ما سيكون في العراق هو التوقف عند نقطة انتهت بها عشرون سنة من التخبط السياسي والأمني والسلطوي، والشروع” الاجباري” بمرحلة جديدة لا تتوافر على معظم الأسماء والرموز والعناوين السابقة. وذلك لأنّ الأوهام خالجت رؤوس بعضهم في انّ العراق أصبح خارج منطقة النفوذ الامريكية بسبب صعود النجم الإيراني، وهذا أمر ليس له وجود إلا في الشاشات والمنافذ الاعلامية الاستهلاكية المحلية. هذا هو الإطار الواقعي لما سيحدث، أمّا التفاصيل فليستمتع العراقيون بمشاهدتها سوية