يعيش عالمنا المعاصر اليوم بجملة من التحديات التي تعصف به في مجالات عدة، واذا اردنا ان نخوض في واحدة منها، فموضوعنا سيأخذ جانب واحد والذي يتمثل بالجانب الثقافي والاتصالي، الذي يستحوذ على مساحات واسعة من منصات التواصل الاجتماعي او غيرها، وما تحمل في اعماقها او تتوارى خلفها انماط من التخريب والغزو الفكري المتنوع باشكاله وصوره.
وقد تناولنا هذا الموضوع في مقالات سابقة، ولكن بصيغة اخرى، وعلى العموم، فأننا مطالبون اليوم اكثر من السابق في تحصين شريحة الشباب اولاً، باعتبارهم قادة او وجه المستقبل او من سيحمل بناء الامة، ومن ثم تليها بقية الشرائح الاخرى من المجتمع. ان كل يوم نمر فيه ونعيش تفاصيله، تواجهنا تحديات جمة، وبحكم التطور السريع الذي يغزو العالم باكتشافاته السريعة، وما يقدمه لنا الغرب بشتى انواع الابتكارت العلمية في عالم الاتصال والتكنلوجيا، لا شك فيه النافع وغير النافع، ومن خلاله فهناك جهات ربما تكون غير حكومية او حكومية تقدم وتزرع بما تهوي انفسهم من صناعة ومخطط فكري، تبثها او ترسلها بوسائل متنوعة، تقف في مقدمتها المنصات الالكترونية، التي تحمل ما تود من نشره لكسب الآراء وجذب النفوس الضعيفة او بسط الافكار التي تود نشرها وادخالها في عقول الشباب اليوم، أو غيرها مما تصبو اليه، لجيلنا اليوم او للاجيال اللاحقة.
ان اصعب ما يحمله من التخريب والهدم وغسل العقول ، ذلك الغزو الفكري والانماط الفكرية المتعددة وباساليب شتى، توحى للشباب المتلقي منهم وحتى من غير الشباب، بالانجذاب والتقبل والاقبال اليها والتفاعل معها، وبالتالي تدعو تلك الشرائح الاجتماعية الى الايمان بها وربما اعتناقها والدفاع عنها باسم التطور والحضارة والمعاصرة والحياة الجديدة ومواكبة العصر والانفتاح على العالم، وغير ذلك من المسميات الجديدة والمصطلحات الرنانة التي تكسبها القوة في التأثير على المتلقين والمتابعين الذين لا يقرؤن ما خلف الافكار أو الصورة.
إن ما يجعل القاريء او المتابع ممن لم يمتلك من الحصانة الفكرية، والاطلاع والتجربة المسبقة، أوالثقافة العامة، أو ينتمي الى بيئة واسرة ومجتمع ضعيف، سيكونون هم الأكثر والاسرع تقبلاً وايماناً، والميل الى مثل هكذا من الافكار والطروحات التي تغير اسلوب التفكير ونمط الحياة غير السوية، أو ربما تصل الى الهدم الاجتماعي بكل تفاصيله.
طبقة مثقفة
إننا مدعوون جميعاً، حكومة ومجتمعاً وجامعات واسرة ومنظمات المجتمع المدني وكل الفئات من الطبقة المثقفة والعاملة في مجال الإعلام والصحافة، أن تحمل هذه المسؤولية الملاقات على ذاتها، وضمن اطار عملها وحدود واجباتها وموقعها داخل الدولىة ، كل يقدم بما هو مستطاع ما يمكن من تقديمه لمواجهة ما يعصف عالمنا من هذه التحديات التي تتناول كل مرافق الحياة .
فالكثير منا قرء وسمع واطلع على ما يعرف بحروب الجيل الاول والجيل الثاني والجيل الثالث والجيل الرابع، وكل ما سيلحق من اجيال قادمة ، كل منها له خصوصيتها ومميزاتها واهدافها التي نرمي فيها بالسيطرة على عالمنا، والاكثر تحديداً عالمنا الثالث ومجتمعاتنا الاستهلاكية، تلك المجتمعات التي تستهلك أكثر مما تنتج. لقد امست الدول الغربية وغير الغربية ممن تمتلك من زمام القوة والسيطرة والقدرة على تحصين دولهم ومجتماعتهم تجاه الخروقات الفكرية او الغزو السيبراني او سباق التسلح فيما بينها، إنها قادرة على مواجهة التحدي أمام كل دولة من الاقوى منها .ولكن أين نحن من هذه الدول؟ وكيف ان نقيم قدراتنا؟ والوسائل الكفيلة او التي ينبغي البحث عنها لمواجهة كل تلك التحديات؟ ، فأن كنا لم نستطيع ان نصل الى ما وصلو اليه من الامكانيات والقدرات العسكرية والتكنولوجية والاتصالية والاقتصادية ، فلابد ان نحصن انفسنا على الاقل، من خلال بناء الفرد وتسليحه وتثقيفه وتحصينه، بما يمكن من القدرة على الأقل تمكينه وزيادة وعيه الفكري، ونشر التوعية المجتمعية عبر وسائل الاتصال الاذاعية والتلفزيونية للأسرة اولاً والجامعات الاكاديمية والتعليمية لشريحة الطلبة ثانياً، ومؤسسات الدولة الحكومية وغير الحكومية من خلال دورات تثقيفية واصادارات اعلامية من كتيبات ومجلات سهلة التعبير واضحة العبارة ودقيقة المعنى ، لا تشعر المتلقي بالملل والكسل من القراءة و الاطلاع، أو الاصغاء اليها إن كان ذلك بالنسبة للوسائل السمعية والمرئية.
كما بالامكان الاستفادة من أساتذة وخبراء علم النفس والاجتماع و الإعلام ورجال العلم والفكر واساتذة الجامعات المتخصصين، كذلك من رجال القضاة والقانون والأدباء بمؤلفاتهم وتوجيههم في تأليف ما يخدم الشباب وخاصة كتاب الأطفال بما تحمل أقلامهم من سعي حثيث في رسم الصورة الأمثل بأسلوب مبسط، يحاكي ما يحصل من غزو فكري لعالمنا المتصارع بكوكبنا الارضي.
فعالمنا اليوم مطالب باكثر مما مضى، بإيقاد الوعي المتوازن وجعله اكثر يقظة وتفتح وإطلاع على ما يجول ويدور من حوله، فالمسؤولية ليست سهلة كما يعتقدها البعض، أنها دعوة لكل الجهات في بلداننا التي تسعى لبناء كيانها وشعبها وهويتها الوطنية، دولة قوية قائمة على بناء الانسان أولاً كجزء من التنمية الوطنية.