يمتد تاريخ علاقتي بعادة قراءة الكتاب الخارجي إلى عام 1977م. حينما حصلت على هُويّة مكتبة الطفل العربي، وموقعها ما يزال مقابل البوابة الرئيسيّة لحديقة الزوراء.
كان عمري حينها تسع سنوات، وكنتُ لا أزال تلميذا في الصف الرابع الابتدائي بمدرسة التضامن للبنين، وهي إحدى مدارس محلّة المنصوريّة في كرخ بغداد القديمة، هذه المكتبة هي (الجَنّة) التي فتحت عيني على قصص الأطفال أولًا، ومن ثَمَّ قادتني إلى شكسبير، ومصطفى لطفي المنفلوطي،وطه حسين، وعباس العقاد، وغيرهم، على أنّ وجهة نظري في مَن قرأت لهم وأنا حديث السن تغيّرت مع مرور السنين، وهذا أمرٌ طبيعي، فالشيء الوحيد الثابت الذي لا يتغيَّر أن كلّ شيء يتغيّر كما يقولون، فلم يعد المنفلوطي أثيرًا إلى نفسي كما كان، واستبدلت طه حسين بعبّاس محمود العقّاد الذي كنتُ أجد فيه مَثَلي الأعلى في التفكير الحرّ! ولعلّ السبب في تفضيلي لشخصيّة العقّاد سابقًا تنبع من تأثّري البالغ بمسلسة (العملاق)الذي أجاد الممثل المرحوم محمود مرسي في أداء الدور الرئيسي لبطلها المستوحى من شخصيّة عباس محمود العقّاد…
وما تزال رحلتي مع الكتاب مستمرة حتى اليوم، وأرجو من الله عزّ وجلّ أن لا يحرمني هذه النعمة ما حييت.
أمّا عن عبد الله الغذّامي وهو بطل هذا المقال، فقد تعرّفته عبر كتاباته في ما يُسمّى بالنقد الثقافي، وقد كنت متحفظًا على أسلوب الرجل، وتفكيره من أول وهلة، لكنني لم أستطع -بصراحة- البوح برأيي الحقيقي في الرجل لكثرة أنصاره، والمنبهرين بأفكاره! وكيف لمثلي أن يُعجب بهذا(المفكّر) الذي يرى في شخصية نزار قباني- وهو من أشهر مناصري المرأة بإقرار طائفة كبرى من النساء حتى (الناشطات) منهن- يراه مضطهدًا للنسوان، ممارسًا لـ (نسق) الفحولة معهن، مصورًا لطبيعة علاقته بهن على أسوأ ما تكون علاقة (الذكر الظالم ) بـ (الأنثى المظلومة)!
بحوث الترقية
الحقيقة التي لا أحبّ أن أخفيها أبدًا هي أنني صرتُ أختلف بمرور الأيّام، وكثرة الاطلاع مع الدكتور عبد الله الغذّامي في كثير من آرائه حتى تلك المتعلقة بتصوراته تجاه عادة الكتابة مثلا، فهو يقول ما مفاده أنّه نادم على كلّ بحوث الترقية التي كتبها سابقًا معللًا ذلك بأنّه كان قد كتبها مكرهًا مدفوعًا بالرغبة في الحصول على (اللقب) العلمي الرفيع ليس إلا!
أمّا أنا فقد آليتُ على نفسي أن لا أكتب بحثًا أكاديميًا إلا بمحبة مطلقة، وعلى أمل تحقيق (الغرض) العلمي ليس إلا.