يلاحظ أن الانتخابات التي‮ ‬جرت في‮ ‬تركيا هذا الاسبوع لانتخاب رئيسها وبرلمانها قد حظيت باهتمام كبيرعلى مستوى الجماهير والاعلام‮ ‬العربي‮ ‬وبالذات العراقي‮ ‬،‮ ‬ومتابعة أيضا على مستوى الاعلام‮ ‬الغربي‮ ‬لكنها كانت عدائية بوضوح للرئيس التركي‮ ‬رجب طيب اردوغان على حد قول أحد المراقبين الاجانب الذي‮ ‬نقل نماذج منها على سبيل المثال‮ ( ‬دير شبيغل‮ ) ‬التي‮ ‬نقل عنها‮ ‬ان فوز اردوغان‮ ‬يجعل منه رئيسا مدى الحياة‮ ‬وسيلغي‮ ‬الانتخابات فيما وصفته الايكونومست بالدكتاتور وقارنته‮ ‬بالرئيس الروسي‮ ‬بوتين وقارنت تركيا بروسيا التي‮ ‬تسعى لاعادة الامبراطورية العثمانية كما هو سعي‮ ‬روسيا لاعادة الامبراطورية الروسية لكنه لا‮ ‬يتفق مع هذه الرؤية فيصف الانتخابات بالحرة‮ ‬لان الصناديق تفحص من قبل السياسي‮ ‬المعني‮ ‬بها‮ ‬كما انها تختلف عن‮ ‬الانتخابات الاخرى في‮ ‬المنطقة ويورد امثلة على ذلك‮ ..‬
وبغض النظر عن الاتفاق او الاختلاف في‮ ‬الرؤية لهذه الانتخابات‮ ‬بين مؤيد ومعارض لكنها‮ ‬تتميز بنقاط أساسية منها‮ : ‬نسبة المشاركة العالية من قبل الشعب فيها إذ إقتربت من التسعة والثمانين بالمائة وهي‮ ‬نسبة تكاد تقترب من نسبة المقاطعين للانتخابات الاخيرة في‮ ‬العراق وتحسب هذه النسبة للشعب والحزب الحاكم معا‮.. ‬والثانية إن الانتخابات شهدت منافسة حامية بين التيارين الاسلامي‮ ‬والعلماني‮ ‬دون أن‮ ‬ينجح أحدهما بتامين النسبة المطلوبة‮ – ‬خمسين زائدا واحد‮ ‬في‮ ‬الجولة الاولى مما‮ ‬يشير الى تقارب النسبة بينهما وبالتالي‮ ‬إجراء جولة الاعادة وهي‮ ‬النقطة الاخرى في‮ ‬تميز هذه الانتخابات بين‮ (‬الرئيس رجب طيب اردوغان الذي‮ ‬لم‮ ‬يهزم في‮ ‬أكثر من عشر انتخابات سابقة ومنافسه زعيم المعارضة كمال كيليتجدا اوغلو‮ – ‬وهو علماني‮ ‬يقود حزب الشعب الذي‮ ‬اسسه مصطفى كمال اتاتورك‮) ‬وهذه الاعادة‮ – ‬في‮ ‬28‮ ‬من الشهر الحالي‮ – ‬غير مسبوقة‮ ‬،‮ ‬لم تحصل منذ مائة عام في‮ ‬تركيا على حد قول الكثير من المراقبين ووسائل الاعلام المختلفة‮.. ‬وهذه النتيجة تؤكد أيضا قوة المعارضة الى درجة تكون منافسة للحزب الحاكم الذي‮ ‬مضى عليه عقدان من الزمن في‮ ‬الحكم وبنفس التأثير في‮ ‬الشارع‮ .. ‬فلم‮ ‬يتمكن أي‮ ‬من المرشحين الاثنين حسم النتيجة لصالحه في‮ ‬الجولة الاولى‮ ‬مما‮ ‬يستدعي‮ ‬إجراء جولة جديدة من الانتخابات بينهما وهي‮ ‬نقطة أساسية تحسب للشعب وللحزب الحاكم ولاردوغان بالذات في‮ ‬تمكن‮ ‬المعارضة من تأمين وجود قوي‮ ‬لها‮ ‬يضمن لها هذه النتيجة وتكون في‮ ‬قوتها قريبة من قوة حزب اردوغان بحصولها على نسبة تؤهلها لتلعب دورا مهما على الصعيد الداخلي‮ ‬وربما تحصل على الفوز إذا ضمنت الحصول على اصوات سنان اوغان‮ (‬قومي‮ ‬متشدد‮) ‬الذي‮ ‬حصل على‮ ‬5‮ ‬بالمائة من اصوات الناخبين في‮ ‬الجولة الاولى‮ .. ‬فهل سيكون اوغان‮ ‬في‮ ‬جولة الاعادة صانع ملوك على حد ما وصف‮ ‬له أو هو بيضة القبان في‮ ‬وصف اخر لبيان مدى تأثير الاصوات التي‮ ‬حصل عليها في‮ ‬الجولة الاولى بترجيح احد المتنافسين اردوغان أوكمال كيليتجدا اوغلو لكنه طرح شروطا لذهاب اصواته الى احدهما الا ان‮ ‬نزعته القومية المتشددة‮ ‬تجعل من الصعوبة بمكان على اوغلو عقد صفقة معه وربما تؤدي‮ ‬الى عزوف الاكراد عن تاييده على حد قول احد المحللين‮.‬
ومع ذلك فان تصريحات اردوغان وانصاره‮ ‬تذهب الى فوزه في‮ ‬جولة الاعادة بسبب فارق الاصوات‮ ‬بينهما وهو‮ ‬5‮ ‬نقاط وتشكل حوالي‮ ‬مليونين ونصف المليون من الاصوات‮ ‬وهو رقم ليس بالقليل حتى وان صوت الاكراد الى‮ ‬زعيم المعارضة وهم‮ ‬يمثلون حوالي‮ ‬10‮ ‬بالمائة من الناخبين وفي‮ ‬محافظات كبيرة لكنها‮ ‬غير مضمونة لتمكن اردوغان من تقليل تأثيرها وحصوله على هذه النسبة التي‮ ‬قد لا تضطره الى تقديم تنازلات‮ ‬ومن علامات هذه النتيجة المتوقعة فوز‮ ‬تحالف الشعب الذي‮ ‬يضم حزب العدالة والتنمية بزعامة اردوغان واحزابا قومية واسلامية بنحو‮ ‬322‮ ‬من اصل‮ ‬600‮ ‬مقعد في‮ ‬البرلمان الجديد‮ ..‬
على العموم‮ ‬يمكن اعتبار الانتخابات التركية استفتاء على حكم اردوغان الذي‮ ‬إستمرعشرين سنة متواصلة وهي‮ ‬تساوي‮ ‬عمر العملية السياسية في‮ ‬العراق وهي‮ ‬مفارقة أخرى بين التجربتين‮ .. ‬وهل ستكون نتائج جولة الاعادة انتكاسة له أو مكافاة له على حكمه وما حققه خلاله‮ .. ‬وهل كانت هذه النتيجة تراجعا في‮ ‬مسيرته الانتخابية لانه لم‮ ‬يفز في‮ ‬الجولة الاولى كما هي‮ ‬نتيجته في‮ ‬الانتخابات الماضية في‮ ‬عام‮ ‬2018‮ ‬وان حصل فيها على نسبة أعلى من منافسه كمال كيليتجدا اوغلو‮ .. ‬اسئلة كثيىرة اخرى ستجيب عليها نتائج جولة الاعادة‮ ..‬
‮ ‬وبالتاكيد إن فوز المعارضة ستكون له انعكاسات على سياسة تركيا الداخلية والخارجية وموقفها من ملفات كثيرة منها الاقتصاد والهجرة والديمقراطية وغيرها وإن كان هناك من‮ ‬يفضل التعامل مع حزب واحد اكثر مما‮ ‬يفضل التعامل مع ستة احزاب‮ ‬يضمها التيار المعارض الذي‮ ‬يتزعمه كيليتجدا اوغلو‮ ..‬
وفي‮ ‬كل الاحول‮ ‬الانتخابات التركية ستكون في‮ ‬نتائجها مناسبة واستطلاعا مباشرا لمعرفة قوة التيارين الاسلامي‮ ‬والعلماني‮ ‬وستكون الاساس لمرحلة جديدة على مستوى الجماهير،‮ ‬وقوة الموالاة والمعارضة التي‮ ‬توزع بينهما الشعب التركي‮ ..‬
‮ {{{{‬
كلام مفيد‮ :‬
الساسة هم انفسهم في‮ ‬كل مكان‮ .. ‬يعدون ببناء الجسور حتى لو لم‮ ‬يوجد نهر‮ .. ( ‬نيكيتا‮ ‬خروشوف‮ ‬1894- 1974‮)..

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *