على اعتاب المزحة سأل الاول الثاني قائلا : من الذي صنع هذا الرمز الجمالي (أسد بابل) الذي ارتبط اسمه بحضارة بابل، بل ارتبط اسمه باسم العراق.
اجاب الثاني: نبوخذ نصر ملك بابل الشهير.
قال الأول: لم أسأل عن الذي طلب صنعه بل سألت من الذي صنعه؟.
اعتذر الثاني عن جوابه السابق وصححه: فنان.
سأل الاول مرة أخرى: إذن لم يصنعه طبيب او مهندس او محامي؟.
الثاني: بالتأكيد هذه اختصاصات مهمة ومحترمة ولكن لكل منا اختصاصه ودوره بالحياة.
هنا سأل الاول سؤالاً خبيثا: اذن لماذا عميد كلية الفنون، اختصاص ( قانون)!.
تكلم الثالث الذي ظل ساكتاً وكأنه غير معني بالموضوع قائلا: اين المشكلة (القانون) آلة موسيقية، ولا بأس ان يكون العميد موسيقياً.
نهره صاحب السؤال: اصمت ارجوك، فكلية الفنون لا يوجد بها قسم موسيقى.
والعميد الذي جاءوا به من الجامعة دكتوراه قانون، (حقوق)، وهو نفسه يشغل منصب عميد كلية القانون بالجامعة.
هنا صاح الاثنان معاً: لماذا؟.
الجدار والباب المفتوحان
ذات يوم غير متفق عليه وبحضور الموسيقار سلطان الخطيب المقيم في الدوحة، كنت انا وراء مقود السيارة ويجلس بجانبي الفنان الراحل سالم الدباغ، وفي الخلف ضيف بغداد الفنان سلطان الخطيب.
الطريق على ما اذكر شارع عبد المحسن الكاظمي في منطقة المحيط في الكاظمية في بغداد.
سأل الراكب في الخلف، الراكب بالأمام: ما هو رأيك يا ابا لبيد بهذا ( السائق)
وبهدوئه المعتاد وطيبته المفرطة اجابه: ابو عبد الله فنان ملتزم واحبه كثيرا.
لم اكن اعرفه ولكن ذات يوم رأيت لوحته (شهداء يستأجرون التاكسي) انتبهت له ولطريقة تفكيره بالرسم.
هنا اوقفت سيارتي وقبلته من رأسه. وضحكنا.
هذا الحادث لن انساه، لأسباب سوف اختصرها بإيجاز شديد.
فنان ملتزم، هذه كلمة نتداولها ولكن لا نفقه المغزى الذي تدل عليه، وحقيقة انا اراها اهم ما يمكن ان تقال في حق احد نريد مديحه. ولهذا شعرت بعمق دلالتها.
سالم الدباغ اسم لا يمكن اعادة انتاج فنه، ويضاف الى ذلك انه رغم كل اللغط الذي رافق ظهور نجوميته في عالم التشكيل في وقت كانت تزدحم به الساحة بالأسماء الكبيرة، لكنه ظل مؤمناً بلوحته الى آخر يوم بحياته.
ابهرنا بشكل كبير ورحل بصمت.
شهداء يستأجرون التاكسي، هذا العمل الذي رسمته استذكاراً لأرواح اولئك الشباب الذين قضوا في حرب الثمان سنوات وانتهت العام ١٩٨٨ هذا التاريخ الذي يشبه الى حد كبير تواريخ حفلات سعدي الحلي.
كانت سيارات الاجرة العراقية لا يمكن لها ان تسير في الشارع دون وجود (هذا السرير) الذي يكون اعلى سقف السيارة ليكون دورها فاعلا اوقات الهجمات في جبهات القتال، حيث انها كانت تنقل الشهداء الى بيوتهم ومن ثم الى مقابر العراق التي صاحت الغوث من كثرة الموت المنتشر.