ـــــــــــــــــــــــ
يتثاءب الطّريق
ضَجِرا
من صوت مذياع السّيّارة وهو يبثّ نفس الملل اليوميّ
بينما.. أنا.. كنت أحدّق في مرآة السّيّارة
ربّما، أجدُ في وجهي
علامة
لا تحتاجُ لضوءٍ كي أراها، في العتمة، فأعرِفَني!
يركض الطّريق العائد من مصحّة طبّ العيون؛
يركض دون أن ينتبه لثرثرة البنايات غير المكتملة
ولصراخ أشجار الزّيتون العطشى
وهي تتسوّل الماء من غيمة عابرة!
يركض الطّريق هاربا من سيّارة شرطة، ربّما، كانت تُطارده!
يركض الطّريق لعلّه يَسبِقُ الشّمس إلى الشّاطئ
فلا يتيه في العتمة!
وأنا.. في السّيّارة الضّيّقة،
أحاول أن أتذكّر كم وجها كان لي حين كنتُ أُشبه مفترق الطّرقات!
أحاول أن أتذكّر كيف كُنتُ أعرُجُ حين كان لي ساقان
وأحاول أن أنسى
أنّه، قبل دقائق، قد أخبرني
بروفيسور طبّ العيون
أنّي سأفقد بصري في سنّ الخمسين
وربّما، قبل ذلك!
بينما حزن أحمق
يجلس في آخر رأسي،
يحشر اصبعه في منخاره،
يفرك، من فوق بنطلونه الرّياضيّ، خصيتيه
ويسألني:
كيف ستعرفُني وأنتَ في عُتمَتِكَ؟!
هل سأجِدُكَ وأنتَ لا تراني أم أنّك ستصادق حزنا غيري؛
حزنا تعرفه عُتمَتُكَ القادمة
ويَجِدُكَ حين سَيسْقُطُ عنك وجهُكَ؟!
كان الطّريق يلهثُ ككلب بوليسيّ
فيتدلّى منه لسانه الاسفلتيّ الذي يلعق وجه السّماء، في البعيد!
وأنا كنتُ أقدّم اعتذاراتي للشّوارع التي لم أحفظ أسماءها،
للألوان التي لا أميّزها لأنّي مصاب بعمى ألوان جزئيّ،
للأشياء البعيدة التي لم أقترب منها
وللمَشَاهدِ التي كانت تحاول
أن تبرّر لي
سبب خروج ساقي اليُسرى منها بطريقة مفاجئة!
أمام بيتنا.. وقف الطّريق
وهناك
كانت، بكلّ قلقها، تنتظرُني
وِحْدَتي…
وحدتي؛ لم تسألني عمّا أخبرني الطّبيب!
قالت، متأفّفة: لقد سألت عنك حبيبتك.
ثمّ تمتمت: تبّا لكما…
حبيبتي، كما أمّي، لم تصدّق ما أخبرني به الطّبيب؛
لقد شَتَمَتْ، كثيرا، وِحْدَتي غير المؤدّبة
ثمّ غَيَّرَتْ موضوع الحديث…
في آخر اللّيل،
بعد أن ضاجع حزني وحدتي
وأنجبا من أصابعي عشرات مشاريع القصائد ثمّ ناما
وشوشت لي وسادتي:
لتسافر إلى العتمة
فأنت ستحتاج لحقيبة ظهر بحجم صمت العتمة
لتدسّ فيها: ما تبقّى لك من العالم والأشكال،
ما عرفته من واجهات المحلّات ومن الواجهات المحتملة،
أصابعك المجنونة،
حبيبتك التي تغار منها وِحدتُكَ
والكثير من القهقهة من أجل البكاء القادم…