ـ منذ الصف الرابع ابتدائي (انا د. هادي حسن عليوي) بدأتً موهبتي في: الخطابة.. والكتابة بالظهور بشكل واضح.
– وكان لاستحسان معلمي الأستاذ صبحي رشيد الشيخلي.. وتشويقه ليً بالتواصل في القراءة والكتابة.. الحافز في دفعي الى الإمام وتطوير كتاباتي.
– وخلال دراستي الثانوية أصبحتُ في مقدمة الطلبة في الكتابة.
– وحصلت على عدة جوائز في المسابقات التي تقيمها مدرستنا.. أو مديرية التربية.
– مما شجعني للاستمرار في: القراءة.. والدراسة.. لأكون المتفوق دوماً.
ـ المهم: نعود الى قصتنا ففي العام 1950 مرت بي حادثة ظلت محفورة في ذاكرتي.
– ففي أواخر شهر رمضان.. وكعادته.. اشترى لي والدي ملابس.. وحذاء جديدة للعيد.
– وعند وصولي بيتنا وجدنا في الكيس الملابس كاملة.. وفردة حذاء واحدة.. ولم نجد الفردة الثانية.
– ولأنني محبوب العائلة.. أو كما تطلق عليً أمي.. لقب “شمعة البيت”.
– وحتى لا تزعل الوالدة.. اشترى لي والدي حذاء جديداً آخر.
ـ في صباح اليوم الأول للعيد.. وجدت طفلاً بعمري بين مجموعة الأطفال في المراجيح.. يلبس فردة حذائي المفقودة.
– والفردة الأخرى التي يلبسها قديمة ومتهالكة.
– فما كان مني سوى مسكهُ.. وأخذهُ بقوة الى أمي.. والمسكين يبكي.. ويقسم بأنه وجدها في الشارع.
ـ استمعت أمي لقصته وحاله.. فأعطته أمي فردة الحذاء الثانية.. وبعضاً من ملابسي المستعملة الجيدة.. وأعطته (عانة) أربعة فلوس.
– وقالت له: “هذه عيديتك.. وكل شهر تعال أعطيك عيديه وملابس.
– وقل لأمك يا حسن أن تمر عليً اليوم أو باجر”.
– جاءت أم حسن في اليوم التالي.. وأعطتها أمي ملابس كثيرة ومبلغاً من المال.
– وظلت أم حسن تتردد كل شهر الى بيتنا.. حسب طلب أمي لتعطيها أمي قسماً مما قسمه الله من خير.
ـ ومن يومها أصبح حسن صديقي لا يفارقني.
– وجاء عيد الأضحى.. وكان لوالدي محل كوي بخاري في منطقة البتاويين.. وهو من أوائل محلات الكوي البخاري في العراق.
– وكان.. في تلك الفترة.. تاجر يهودي استورد لأول مرة بدلات رجالية وشبابية.. وجلبها جميعها الى المحل.. لنكويها بالبخار.
– وإذا بحسن يدخل للمحل سلم عليً.. سألني والدي هذا صديقك (أبو الحذاء).. هززت رأسي بنعم.
– شاورني والدي أن يختار قاط له هدية العيد من القوط الجديدة.. وطبعاً والدي يدفع سعره لصحبها اليهودي.
– وأنا وهو اخترنا له قاط جميل جداً.. ذهبتُ لوالدي قلت: بعد قميص.
– ابتسم والدي.. وقال خذه لأبي هيام.. وأبو هيام جارنا في البيت.
– ومحله في شارع الرشيد مختص ببيع القمصان الراقية.. وهو قريب من أورزدي باك آنذاك.. في شارع الرشيد.
– فاخترنا له قميص (يخبل).. وأعطاني والدي ديناراً.. قال أعطيه لصديقك عيديه.
– وراح حسن منتشياً كالطاووس لبيتهم.. وبقيت صداقتي بحسن مستمرة.
ـ المهم: في نيسان العام 1958.. طلب منا استأذنا لمادة اللغة العربية أن يكتب كل طالب قصة.. حادثة حقيقية مرت به.
– لاختيار أفضل ثلاث قصص للمشاركة في المسابقة السنوية لتربية بغداد.
– فكتبتُ القصة.. بعنوان: (حسن في العيد).. رويت فيها حادثتي.. وحال حسن الفقير في العيد.
– نالت قصتي “المقالة” إعجاب الأستاذ.. وطار من الفرح.
– وصاح بصوت عال “فزنا بالجائزة الأولى في المسابقة”.. وفعلاً فزنا بالجائزة الاولى.
ـ وفي مساء ذلك اليوم.. قصصت لوالدي ما حدث لمقالتي.
– وصادف أن كان في بيتنا تلك الساعة صديق والدي: محمد حسين أبو قلام.. معاون مدير عام السكك الحديدية.
– فقرأها أبو قيس.. وأعجب بها.. وقال لي: أرسلها الى جريدة الزمان لنشرها.. وفعلاً نشرتها الجريدة في 19 أيار 1958.
ـ استمر أستاذي بتشجيعي فكتبت مقالتي الثانية بعنوان: “أمي .. الجنة تحت أقدامك”.. التي نشرت في 18 حزيران من نفس العام.
– وكتبت المقالة الثالثة بعنوان: “حب الوطن من حب الله”.. وسلمتها أيضا الى رجل الاستعلامات في الجريدة.
– الذي اقتادني الى مسؤول الجريدة.. الذي سألني “من يكتب هذه المقالات؟”.
– قلت له: أنا.. لكنني شعرتُ انه لم يصدقني.. فأردفتُ قائلاً: “أستاذ إذا ما أتصدك.. هسه أكتبلك أي مقال تريد”.
– أبتسم الرجل ورتب على كتفي.. وقال: “سوف ننشر لك هذه المقالة بعد أربعة أيام.. وتعال الى هنا.. سوف نعطيك نسختين من الجريدة ومكافأة”.
ـ وفعلاً ذهبت يوم السبت 12 تموز 1958 حاملاً مقالتي الخامسة بعنوان: “بغداد.. مدينتي العطرة”.. وسلمني دينارين عن مقالاتي الأربعة المنشورة.
– وقال لي المسؤول: بعد أن قراءها.. وأنا جالس أمامه “إنها أروع ما كتبت لنا حتى الآن”.. سوف ننشرها يوم الخميس.
وقبل أن يأتي الخميس.. وفي فجر يوم الاثنين.. قامت الثورة.. (ثورة 14 تموز 1958).. وسقط النظام الملكي.. وأقيمت الجمهورية.. وأغلقت الجريدة.. وضاعت مقالتي.
– لتبدأ مرحلة جديدة في العراق.. لم تكن.. كما توقع الكل.
– فالصراع الدموي بين الشيوعيين من جهة.. والقوميين والبعثيين من جهة أخرى.. أحدثت الفوضى في البلاد.. والقتل.. وامتلأت السجون بالمعتقلين!! بالشباب بعمر الورد!!
– تحت يافطة.. هؤلاء: (شيوعيون.. وقوميون.. وبعثيون)!!
– وبرزت الطائفية بشكل خطير.
– وانتهت الأوضاع الى أسوأ ما عرفه تاريخ العراق بتسلم مجموعة من الشقاة الحكم.. في شباط العام 1963!!
– ليصبح العراق سجنا كبيراً لشعب بأكمله.. ويغرقوا البلاد في بحر من الدماء.
– المهم: كان حسن تلميذاً ذكياً.. وأكملنا الثانوية سوية.. وعندما قام انقلاب 8 شباط 1963 هرب حسن الى موسكو.. خوفاً من السجن أو القتل.
– أما أنا فقد كنتُ معتقلاً قبل أشهر لجمعي تواقيع أساتذة الجامعة في مذكرة معنونه لرئيس الوزراء “تطالب بإيقاف القتال في الشمال.. وحل المسألة الكردية حلا سلميا وديمقراطيا”.
ـ في موسكو أكمل حسن دراسته الجامعية والعليا.. وفي أوائل السبعينيات عاد الى العراق حاملاً شهادة الدكتوراه.. وعين أستاذاً جامعياً.. فاضلاً بعلمه وأخلاقه.
ـ ايلول العام 1997 سافرتُ أنا الى ليبيا كأستاذ جامعي.
– سافر حسن الى موسكو العام 1998.. لقضاء بقية حياته هناك.
– وفي (الأول من حزيران 2010).. وصلتني برقية من زوجته تبلغني بوفاة صديقي.. بل أعز الأصدقاء!!
هكذا كانت صداقاتنا بالأمس.. فكيف صداقات اليوم؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟