وجاء على لسان هادي الحسيني وثلة مباركة من سكنة بيت الصفيح وغرفة فاضل جواد وباطن مقهى السنترال وحانة الشرق وكشك أبي علي ، ان الشاعر الشعبي اللطيف عباس جيجان كان تأبط باب المساء وطار صوب غاليري الفينيق بعمّان حيث مجلس الشاعر الكبير عبد الوهاب البياتي ، بعد أن أخبره أحد الشطار بأن البياتي قد كتب عنه قصيدة رائعة ، تبين في ما بعد الواقعة أن القصيدة كانت عن العباس بن الأحنف ، فتحول مساء الفينيق البديع الى مضاحك ولطائف وطرائف انتهت آخر شهقاتها بحانة الياسمين الجميلة .
أما بيت الصفيح المذكور في السطر الأول من المكتوب ، فهو خربة عتيقة متروكة فوق أحد أكتاف جبل اللويبدة الجميل وعلى مبعدة شمرة عصا من قصر دارة الفنون البديعة .
في صحوة مباركة من منتصف تسعينيات القرن البائد ، استدلت صفوة طيبة من أدباء وفناني العراق على هذا المكان المذهل وجعلت منه ملاذاً ومأوى آمناً لها من دون أن تدفع لمالكه المجهول حتى الآن فلساً أحمر شقيق قرش بنفس اللون والمعنى .
في هذه القطعة العجيبة ثمة تيار كهربائي لا يعرف مصدره وقد تم توزيعه وتسليكه على أربع سقائف كي يضيء لساكنيها لياليهم الصاخبة بغير حساب .
وأما الماء فهو نزيز هادىء مثل ناقوط كريم ينزل من أحد أثداء الجبل ويتجمع بقوة المصادفة وحسن الحظ في خزان كبير تحت غريفة حسب الشيخ جعفر ، وهذه المياه تكفي للطبخ والنفخ والشرب وغسيل الملابس القليلة وتحميم أجساد الصعاليك النبلاء ومنهم بعد حسب الشيخ ، سيكون هادي الحسيني ورضا ذياب واياد صادق وعلي منشد وحسن الصحن وكاظم الحلاق وحيدر شميس ونصيف الناصري وامرأة عجفاء محصنة بشجرة ليمون عظيمة ، وضيوف طارئون يحجون الى البيت فرادى وعلى جمع ، منهم من يكتفي بسهرة طولها ربعية عرق من صنف موال الرخيص ، وآخرون تثقل أجسادهم وتتوافق رؤوسهم حتى لا يستطيع واحدهم التفريق بين حذائه وصحن الجاجيك الملطوع بشراهة ، وهذا النوع من الصحب سيعتنى بهم كثيراً ويتلقون العطف والتقبيل ، فيفرش لهم أحسن فراش ليبيتوا مع نوم العوافي بوصفهم سكارى طيحت حظهم الرشفة الأخيرة المطعونة بموال رافديني جارح ، حتى صارت رؤوسهم منازل تمسيدات أكف رقيقة ، ولم تعد خزرات الفتى علي منشد الحمراء بعد الكأس الخامسة لتخيفهم وتمنعهم من شخير وتمطيق حتى ظهيرة تالية