يعدُّ (لي كوان يو) رئيس الوزراء في سنغافورة (1923 – 2015) مؤسس الدولة السنغافورية الحديثة، فقد أعلن في 9 آب 1965م استقلال سنغافورة عن ماليزيا، وحكمها على مدى (31) عاما غير متتالية، ونقلها من العالم الثالث إلى العالم الأول، وحقق الإستقرار السياسي والتقدم الإقتصادي، ونجح في دمج الأعراق السنغافورية الثلاثة (الصينيون، الهنود، المالاويين) وحقق الوحدة الوطنية، وفي أقل من أربعين عاما، أعاد البنك الدولي تصنيف سنغافورة من دولة دون مستوى التطور إلى دولة متطورة، وأصبح معدَّل الدخل السنوي للفرد يتجاوز الـ (23) ألف دولار، وفي عام 1997 أطلق (لي كوان يو) رؤيته الجديدة في التعليم التي يمثلها شعار (مدارس تفكر، أمة تَتَعلم)، والتي يحل فيها (الفهم) محل (الترديد الببغاوي والحفظ)، على طريق الخلق والإبتكار، مشترطا أن لا يمارس التعليم، إلا من أتقنه باحتراف، ولو بحثنا عن سر هذا التحول الكبير في مسيرة سنغافورة لوجدناه في قول (لي كوان يو) الذي جاء فيه: (أنا لم أقم بمعجزةٍ في سنغافورة، أنا فقط قمت بواجبي، فخصصت موارد الدولة للتعليم، وغيرت مكانة المعلمين، من طبقةٍ بائسةٍ إلى أرقى طبقة في سنغافورة، المعلم هو من صَنَع المعجزة، هو من أنتج جيلاً متواضعاً يحب العلم والأخلاق، بعد أن كان شعباً يبصق، ويشتم بعضه، في الشوارع).

ولقد وُلد (لي كوان يو) في سنغافورة وهو من الجيل الثالث من المهاجرين الصينيين، درس القانون في جامعة كامبردج في انكلترا، وشكَّل حزب (العمل الشعبي) عام 1954، وبعد خمس سنوات فاز حزبه في الإنتخابات السنغافورية وأصبح رئيسا للوزراء، وهو في الخامسة والثلاثين من العمر، وبعد ست سنوات أعلن استقلال سنغافورة عن ماليزيا. وأصبح أول رئيس وزراء لجمهورية سنغافورة بعد الإستقلال، وقد كتب الرئيس السنغافوري (لي كوان يو)، مذكراته وأصدرها في كتاب جاء تحت عنوان (قصة سنغافورة)، وقد ترجمه إلى العربية الدكتور هشام الدجاني وصدر عام 2007 عن دار العبيكات للنشر في المملكة العربية السعودية، وفي هذا الكتاب قصة سنغافورة وتحولها من الإستعمار إلى الإستقلال، وتطورها السريع، والأسس التي استندت إليها في مسيرتها الخلاقة بقيادة (لي كوان يو).

كان (لي كوان يو) رجل دولة كبير صاحب فكر ثاقب، وحاز فكره وسياساته على أعجاب الشخصيات العالمية المؤثرة، فقد قال عنه جورج شولتز وزير الخارجية الأمريكي الأسبق: (صريح، حسن الإطلاع، مقتدر ولامع الذكاء، هذه الصفات نفسِّر لماذا قدَّر زعماء في جميع أرجاء العالم لي كوان يو)، فيما قال عنه هيلموت كول مستشار ألمانيا الأسبق (ليس لي كوان يو مجرد شخصية سياسية متميزة، بل هو مفكر عميق، لديه الكثير مما يقوله فيما نحن نوجِّه مسيرتنا نحو المستقبل)، أما وليام ريس موغ رئيس تحرير صحيفة التايمز اللندنية الأسبق فقد قال عنه: (لي كوان يو هو رجل دولة، خلق أمة ناجحة، كان معروفا لدى الجميع، حقق أشياء مستحيلة)، ووصفه الشيخ محمد بن راشد بأنه (واحد من أعظم القادة الذين مروا على قارة آسيا والعالم).

إن تجربة سنغافورة الذَّهبيَّة وصعودها على السُّلَّم الدَّولي باقتدار واضح وبنجاح باهر، جديرة بالتأمل والدراسة واستخلاص العبر، وخير الدول والأمم من أخذت العبرة والدرس من التجارب الناجحة لغيرها من الدول والأمم، ليس على طريقة التقليد والاستنساخ بل على طريقة المزاوجة الخلاقة بين التجارب الوطنية والعالمية، صعودا نحو حاضر متألق ومستقبل مضاء بالتجارب الإنسانية الباهرة.

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *