الكاتب جبر جميل
يبدو سؤال ” لماذا نكتب الشعر” ؟ صعباً كصعوبة كتابة الشعر نفسه ، وقد لا أكون مبالغاً أو متزيِّدا ؛ إن قلت : إن إجابة هذا السؤال ، قد تكون مستحيلة ، كاستحالة تعريف الشعر.
ولكن من خلال التجربة الشعرية وخلفياتها الفكرية والفلسفية لدي ، سأحاول . ربما ألامس مكامن وجع الكتابة . فالشعر هو تعبير فني يَنْظُم تلك العلاقة الفردية بين أسئلة الشاعر الكبرى الملحة والشائكة والشاكة وبين الوجود ؛ يحاول الشاعر أن يجد لأسئلته أجوبة عبر كتابة الشعر ، ويبحث عن الجمالي عبره ، عله يضفي معنى مقنعاً لوجوده ، ويخفف من حدة شعوره بالعبثية واللاجدوى والعدمية تجاه هذا الوجود . ويظل الشاعر يكتب وكأنه ينزف ، يلقي أسئلته ولا يجد لها إجابات تسد كهف قلقه العتيم . فالشاعر هو ابن القلق العاق . لو كف عن قلقه يصيبه عقم الكتابة ، ولو توهم أنه وجد إجابات لأسئلته لكف عن كتابة الشعر ؛ لأنه حينئذ يكون قد دخل في بهو السكينة والركون والاطمئنان ، وهذه خارج المجال الحيوي للشعر . وفي اعتقادي الراسخ أن الشعر هو محاولة للخلاص الفردي ، وبحثٌ عن مخرج ميتافيزيقي يريح الشاعر من تلك الصخرة السيزيفية التي يحملها كعقوبة أبدية لأنه تجرأ على طرح أسئلته ، وحاول أن يقبس المعرفة التي بها يكون خلاص الفرد والجماعة معاً . إننا نكتب الشعر للإفلات من تلك العقوبة ولإزاحة الصخرة عن كاهلنا الذي كلّ من تكرار الصعود والدحرجة بها إلى أسفل الجبل ، في رحلة عبثية عدمية تختزل حياة الإنسان منذ صرخته الأولى حتى شهقته الأخيرة . إننا نحاول بكتابتنا للشعر ، فقط ، أن نثبت الصخرة على قمة الجبل ، أو نوسدها لسفحه ، أو نثبتها في المنتصف …. ولكن هيهات منا ذلك .