ما شاهدته الجمعة المنصرمة، جعلني أقف مبهورا، وارتسمت أمامي مئات من علامات التعجب، ومثلها من الأسئلة التي تبحث عن جواب.. وأظنكم مثلي في توق لمعرفة سبب هذا الانبهار.. ففي عصرية ذلك اليوم كنا مجموعة من الأسر يجمعنا بيت زميل في مناسبة اجتماعية، وكان الجو حميميا والحديث جميل بموضوعاته الأسرية، وفجأة اتجهت الانظار إلى شاشة التلفاز، حيث بدأت قناة “العراقية” تعرض تمثيلية محلية، قديمة، بالأسود والابيض عمرها قارب عن الستين عاما، وقد عُرضت مئات المرات، عجيب.. لقد توقف الحديث العائلي، واسدلت الستارة على “القفشات” البريئة التي كنا نتبادلها.. وبدلا منها كانت الضحكات تتعالى، لا سيما من الاطفال واليافعين، وكذلك الكبار من تلك الأسر.. التمثيلية اسمها (تلميذ مسائي)، وهي من سلسلة تمثيليات “تحت موس الحلاق”.
كيف لتمثيلية تلفزيونية، رافقت أجيالا عديدة، وظلت محتفظة بحيويتها وتأثيرها المجتمعي على جميع الاذواق، حاملة معها عند كل عرض سرا كبيرا، وهذا السر هو أن العمل الفني الناجح والمؤثر ليس بضخامة الانتاج وبهرجة الالوان، إنما بالفكرة البسيطة التي تناغم روح المجتمع بالانسيابية والبساطة وعفوية الالقاء، وفكرة محببة تدغدغ مشاعر المتلقي وتجعله أسيرا لما يراه، حيث الواقع الخالي من العقد والانانية، تمثله إحدى محلات (حارات) بغداد الشعبية، رسمها كاتب مرموق وممثل موهوب هو الكبير”سليم البصري” طيب الله ثراه.
لقد لاقى مسلسل “تحت موس الحلاق” ترحيبا، ومحبة، وعشقا من المشاهدين على مدى عشرات السنين، وتحديدا منذ بداية ستينيات القرن المنصرم، حين عرضت اولى حلقاته، ولم تتفوق عليه في عشق الجمهور، أية أعمال اخرى، لأنه بسيط في نقل الواقع بلغة سلسة وديكورات وأزياء واقعية في شعبيتها وموروثها، ومؤلفه البصري شخص لم يستهوه الركون ولا يرتاح إلى الاطمئنان، واستمر يحلم، لتقديم الأفكار بشكلٍ جديدٍ عميق الجذور الشعبية.
تجربة هذا المسلسل، أضعها برسم الكُتاب وشركات الانتاج الفني، فنحن بحاجة إلى أعمال تتكئ على موروث، وثيمة، وبُعد نفسي تسحب المشاهد إليها بنعومة وبساطة، وتناسق، وتكامل في جميع مكوّنات العمل الفني.
إن فن التمثيل هو لغة للتفاهم والترابط الإنساني.. وهذا ما عمل عليه سليم البصري وفريقه.. فنجح في حصد محبة الجمهور.
————————————

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *