مضى الى جوار ربه، أول أمس، احد أعمدة الدبلوماسية العراقية، الاكاديمي البارز محمود علي الداود. وكنت قد استقبلته في مبنى الجريدة ، قبل أيام، واستدرجته الى حوار، شمل سيرته وبعض ذكرياته بدءاً من الجامعة وحصوله على الشهادات العليا في امريكا وبريطانيا، مروراً بعودته الى العراق وانخراطه في التدريس، ثم البحث العلمي، واهتمامه بالدراسات التي تعنى بالخليج العربي ودوله، وانتهاء بمحطات حياته الحافلة، سفيراً وخبيراً في العلاقات السياسية الدولية، ورئاسته قسم العلوم السياسية ببيت الحكمة.
ومن النادر ان يحظى رجل تجاوز التسعين من عمره ، بالتواضع والحكمة ورباطة الجأش والابتسامة الدائمة، كالداود، الذي صادفته، في احد مؤتمرات بيت الحكمة ، متحدثاً بقلب أب ورصانة عالم. ولا مفردة تستوعب وصف اخلاق الراحل أو كلمة تفيه حقه . انه كتلة من النشاطين، المعرفي والبحثي المقترنين بالنبل والعفة والمشاعر العراقية الصادقة.
ولا اكتم، ان زيارته او طلب زيارته الجريدة، كانت مفاجئة لي. وطيلة الوقت الذي استغرقه حضوره اليها، انصرفت الى السؤال عن السبب الذي دعاه الى طلب لقائي والجلوس في الحوار معي، طيلة نحو ساعتين. كان نهار يوم الجمعة ، الذي يمثل عطلة استراحة له ويوم عمل شاق معتاد لنا نحن الصحفيين.
وكنت مسروراً لحضوره، وهو يتحفني بثلاثة كتب حملها، هدية أو (صوغة) عرف أهميتها دبلوماسي ومرب كبير مثله، وقد أشرت اليها في الحوار المنشور بعدد (الزمان) 7596 في 31 آيار الماضي.
وفيما كنا نتبادل الحديث وأصغي لوقع تحليلاته، عن اسئلتي التي تدفقت كالمطر المنهمر على روح سامية، ملأى بالأمل ومفعمة بالاجلال ، كنت في الوقت ذاته انتظر منه تسويغ زيارته المفاجئة.
وبكل ما يحفل به سلوك عالم جليل ، استخلصت من حديثه عن متاعب الحياة وثقل المسؤولية العائلية ، انه تمنى تقديم العون له لتعيين اثنين من احفاده، يراهما ذوي كفاءة ومؤهلات ومهارات احدهما متقدم للتعيين في وزارة النفط، والآخر في معترك الادارة الرقمية. والمؤلم ان الجد، برغم كل تاريخه المهني، حيث كان عضوا في اول وفد عراقي لتأسيس منظمة أوبك عام 1959لم يحظ بفرصة تقدير أو التفاتة تستجيب لقبول حفيديه في الوظيفة الحكومية. لقد قال القدماء (ألف عين لأجل عين تكرم).
وقد رأيت ان أوجه رسالة الى دولة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني والى معالي وزير النفط حيان عبد الغني، لتفهم موجبات تقدير دور الرجل واعطاء الحق لحفيديه في الانتظام بقطاع النفط.
رسالتي تبدو متأخرة لكنها صدى لوصية الداود، قبل ان يجف تراب قبره.
فهل تجد إستجابة؟ عسى.