الذاكرة الوطنية هي وجه من وجوه الهوية الوطنية ، والتي تترسخ من خلال الاحداث والشخصيات الفاعلة والمؤثرة في المقاطع الزمنية المختلفة، كما انها تساهم مساهمة فعالة في صنع الهوية المشتركة للشعب والتي تفضي الى تماسكه واعتزازه بتلك الهوية والدفاع عنها،
ويرى الباحثون ان الذاكرة الوطنية مبنية على التراكم التاريخي وعلى قدرة وكيفية المجتمع لاستقبال الاحداث والشخصيات من صناع المنجزات المؤثرة والوقائع التاريخية.
من هنا نرى ان صناعة التماثيل والنصب وتسمية الشوارع والساحات العامة تشغل مساحة مهمة في تشكيل ذاكرة الشعوب والامم .
وتؤكد في الوقت ذاته دور تلك الشخوص والاحداث في البناء الوطني المادي والمعنوي معاً .
كما ان اختيار اسماء الشوارع والساحات والمنشآت العامة له دلالات مهمة في صناعة الذاكرة الوطنية .
وحينما تشوه الذاكرة الوطنية من خلال التسميات العشوائية والترضيات المناطقية والعشائرية او لاعتبارات دينية منفعله و التي تطلق على الشوارع والمنشآت العامة ، ويُتغافل عن كثير من صناع التاريخ ذوي المنجزات والمساهمات الفعالة في المجتمع ، حينها فقط يجب ان نؤشر على التزوير او التشوه للذاكرة .
عرض موقع دليل النجف الذي يشرف عليه الاكاديمي الدكتور نزار السيد سلمان، عرض مشكوراً على الفيسبوك مؤخراً مجموعة من رموز وشخصيات نجفية كان لها الدور الفاعل في المدينة، لكنهم منسيون او كادوا ان ينسون ومنهم الدكتور الطبيب الشهير خليل جميل ، وتسائل الموقع ” لماذا لا يذكر هؤلاء من خلال اطلاق اسمائهم على احد شوارع النجف ، في حين هناك شوارع وساحات ومنشآت عامة حملت اسماء ربما لم يكن لها حجم الدور الذي لعبه هؤلاء المنسيون ..
وعند السير في شوارع النجف وتسأل الشباب عن تاريخ مدينتهم تصطدم بان ذاكرتهم لا تحمل سوى بعض الاسماء البسيطة ، فقليل ممن يعرفون الثائر محمد سعيد الحبوبي او الشيخ عبد الكريم الجزائري أو الشبيبي أو الشرقي أو نجم البقال أو مؤسس المكتبة الوطنية الشيخ عبد الحميد زاهد او عبد الرزاق محي الدين رئيس المجمع العلمي العراقي ،
فرغم شهرة ابن النجف الشيخ محمد رضا الشبيبي الشاعر والوزير والنائب في البرلمان العراقي لكننا لم نجد له ذكر ، وكذا الحال للوزير الشيخ علي الشرقي صاحب الابيات الشهير ” قومي رؤوسٌ كلهم … و اختلاف الرأي لا يفسد للود وغيرها من الشواهد ..
واين احمد الصافي النجفي الشاعر والمثقف الكبير ، و القاص الحاصل على الجوائز العربية والعالمية موسى كريدي و الشاعر المتمرد عبد الامير الحصيري والمفكر الماركسي حسين مروة ، ورائد القصة جعفر الخليلي، و الشاعر السريالي حسين قسام ، ورائد الصحافة يوسف رجيب والقاص زمن عبد زيد والرياضي البطل العربي مثقال ابو گلل، والفنان طالب الفراتي والملحن جعفر الخفاف والفنان كاظم الخطيب والفنان مهدي سميسم والشاعر عدنان الصائغ و الوزير عبدالمحسن شلاش والشيخ عبد الواحد آل سكر والمرجع السيد الخوئي، والسيد الشهيد محمد باقر الحكيم والشيخ الانصاري والقائمة تطول
ان ظاهرة تشويه الذاكرة الوطنية ليست مقصورة على مدينة النجف فحسب بل تكاد تنتشر في كثير من مناطق العراق ، وهي لا أعتقد انها ظاهرة شاذة او هجينة بل هي ضمن منظومة التشوية الكبيرة التي يتعرض لها العراق بشكل عام ، فحينما تسير في شوارع بغداد مثلاً لا تجد شارعً او معلماً باسم الكوفة كعاصمة للخلافة الاسلامية لمدة اكثر خمسة اعوام ، كما لا تجد معلماً باسم ابن سينا او ابو تمام او البحتري او غيرهم .
فقد رأيت شوارع ومعالم حملت اسماء غير معروفة بل ربما تكون شخصيات عادية ، كأصحاب المواكب او شقاوات زمان وغيرهم.
اتمنى ان ارى ذاكرة وطنية صحية نتركها لاجيالنا دون تشويه او تزوير .

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *