على وقع قرار المحكمة الاتحادية باعتبار قرار تمديد عمل برلمان كوردستان لاغيا وابطال كل القرارات التي صدرت عنه خلال فترة التمديد، ينظر الجميع الان الى الانتخابات البرلمانية في الإقليم باعتبارها نقطة محورية ليس فقط في إعادة تشكيل علاقات الأحزاب الكوردية ببعضها البعض، وانما أيضا في رسم شكل العلاقة بين الإقليم والأطراف الأخرى بما فيها الأطراف الداخلية كالحكومة المركزية والأحزاب في بغداد، والأطراف الخارجية بما فيها دول المنطقة واللاعبون الدوليون وعلى رأسهم الولايات المتحدة. ومع التأكيد على الأهمية السياسية والقانونية لهذه الانتخابات، الا أنها تكتسب أهمية أخرى من نوع خاص، تتمثل في ان هذه الانتخابات تشكل نوعا من الاختبار للقوى السياسية في الإقليم فيما يتعلق برؤيتهم حول المحافظة على المكتسبات التي تحققت خلال العقود الماضية والابتعاد عما يمكن ان يهدد إقليم كوردستان داخليا. كثيرة هي العقبات التي تواجه تنظيم الانتخابات المقبلة، ليس اقلها الخلاف بين الحزبين الرئيسين على قانون الانتخاب والنظام الانتخابي، بما في ذلك شكل الدوائر الانتخابية، ومقاعد الأقليات، وصولا الى عقبات قانونية وتنظيمية مرتبطة بعدم وجود برلمان يمكن ان يشرع قانون انتخابات جديد، وحل مفوضية انتخابات الإقليم. مع ذلك، يعلم كل من يمارس او يتابع شؤون الإقليم، بأن العملية السياسية الداخلية ليست انتخابات فقط، وأن نتائج الانتخابات، على أهميتها، لا تعتبر عنصرا حاسما وحيدا. بالتأكيد فان الحصول على أكبر عدد من المقاعد في برلمان الإقليم هو امر بالغ الأهمية، الا انه غير حاسم تماما عندما يتعلق الامر بتشكيل الحكومة او برسم العلاقات بين الأحزاب السياسية. العلاقات السياسية في إقليم كوردستان تتفاعل مع العديد من العوامل، منها العوامل التاريخية التي لا يمكن القفز عنها، وكذلك العوامل المرتبطة بعلاقة الأحزاب بمؤسسات الدولة، والانعكاس الجغرافي لذلك، كما لا يمكن تجاهل العلاقات مع المحيط الداخلي في العراق او الخارجي مع دول الإقليم. ولذلك نقول ان نتائج الانتخابات وحدها ليست عاملا كافيا لتشكيل العلاقة السياسية والإدارية في الإقليم، وان معيار الأغلبية والأقلية البرلمانية هو واحد من مجموعة معايير تحدد العلاقة بين الأحزاب وبالتالي بين مؤسسات إدارة الدولة الثلاثة، الرئاسة والحكومة والبرلمان. لذلك نكرر، ان هذه الانتخابات ليست فقط استحقاقا سياسيا وقانونيا، ولكنها أيضا اختبار لكافة القوى السياسية الكوردستانية ومدى قدرتها على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية بما يحقق استقرار الإقليم والمحافظة على مكتسباته التي تحققت خلال العقود الماضية. وعلى جميع القوى السياسية ان تغلب لغة المصلحة الوطنية على لغة التنافس السياسي، وان لا تنظر الى هذه الانتخابات باعتبارها هدفا بذاتها، بل باعتبارها وسيلة ضمن وسائل أخرى لضمان الاستقرار السياسي والمجتمعي. ولذلك فالمطلوب بالدرجة الأولى ان تنغمس الأحزاب السياسية الكوردية في عملية حوار وطني إيجابي وفعال بهدف الوصول الى صيغة يتفق عليها الجميع فيما يتعلق بتنظيم الانتخابات المقبلة، وبغير ذلك فان هناك مخاوف حقيقية لدى الجميع بأن تؤدي هذه الانتخابات أيا كانت مخرجاتها الى صراعات سياسية تؤثر سلبا على الإقليم وعلى المواطنين. وعلى جميع الأحزاب ان لا تنظر الى هذه الانتخابات باعتبارها معركة تكسير عظم، بل باعتبارها أداة سلمية تساهم في تعزيز الحكم الديمقراطي في الإقليم.