بدءا يعد المتخصّصون في علمي الحديث والرجال ، على انهما علمان يدوران في فلك واحد، والغاية منهما هي نقل التراجم والسير عن رجال التاريخ من اصحاب الملتحق والاخبار ، ومن ثم العمل على تنقيح الحديث وصحته ومصداقيته مقارنة بالعقل والمصادر، وقد عدا كمدافعين عن علم لغوي اخر يسمى علم الجرح والتعديل . ويعد التأويل في القرآن واحدا من اهم المسائل التي تشكل على الذهن العربي ، وقد خاض في هذا المجال كثيرون ومنهم الباحث والمفكر المصري نصر حامد ابو زيد وقدم تحليلا نصيا لفهم التأويل ، في القرآن مستشهدا بما قدمه المعتزلة امام الخليفة المأمون، على انه اثبات لضرورة التأويل كما ورد في النص القرآني : يد الله فوق ايديهم ، وكذلك قوله: الرحمن على العرش استوى ، اي جلس، وكان عرشه على الماء ، فقال المعتزلة ان يد الله تعني قوته وتاييده ، وليست اليد الجارحة، والرحمن استوى بالقدرة اي بالاستواء هنا ، وهو التمكين والاقتدار وليس الجلوس، ولا يخفى على احد ان كل المصادر الدينية تتعرض للتشويه والتحليل المبطن، بعلم او بغير علم، وهو ما جعل بعض من ائمة الفقه والحديث المتقدمين، ممن لم تنضج وتتطور لديهم لغة فهم القرآن في الذهاب الى التشدد والتكفير ، فما كان من الامام بن حنبل، صاحب المسند ، الا ان كفر المعتزلة، مدعيا في مقولته الشهيرة : ان من تمنطق فقد تزندق ، وقد كرها الدكتور علي الوردي، وفي لغتنا المعاصرة، فان مقولة الامام بن حنبل تعني : من اراد اثبات الوجود الالهي والايمان عن طريق العلم والفلسفة ، فقد زاغ عن طريق الحق.
كانت وما تزال معضلة الفقه الاسلامي الاولى ولكل الفرق الاسلامية تتلخص في مبدا الترادف، الذي ذكرته احدى الباحثات الكريمات ، والترادف الذي اوجده واشار اليه الفقيه الشافعي ، فيما لم يجد اليه طريقا من المعرفة، هو الذي شكل منابع الاختلاف الاولى ، فلم يفرق الشافعي ، الذي قال ان كلام الرسول احد الوحيين، ولا حتى المعتزلة بين كلام الله وكلماته، وبين اللوح المحفوظ والامام المبين ، ولم يفرقوا بين احوال الفعل – جعل – الذي استخدم في مواطن حساسة في القرآن، ومنها قوله: انا جعلناه قرآنا عربيا ، اي انه لم يكن عربيا في جوهره الاول او قبل تنزيله، وهو ما جعل المعتزلة يعتقدون بخلق القران . والترادف في اللغة هو احالة كلمتين او اكثر الى معنى واحد، وهذا هو نقيض الواقع الذي دحضه عبد القاهر الجرجاني وابن عقيل وابي هلال العسكري في بحوثهم اللغوية ، ونبه اليه حامد نصر ابو زيد . التأويل هو تحويل النبأ الغيبي الى خبر حاضر ، فالانباء غيبية مقتضبة، كقوله ذلك من انباء الغيب ، والاخبار حضورية متسعة ، كقوله: ليعلمك من تأويل الاحاديث ، والاحاديث ماخوذة من الحدث الانساني وتعتي تحويل غيب الاحاديث الى واقع اخباري ملموس . كقول السجينين ليوسف : نبئنا بتأويله انا نراك من المحسنين.
اي ان يوسف أول رؤياهم الغيبية الى واقع ، فتمت الاحالة من النبأ المبهم، الى حيث الحدث الانساني الجلي المعاني .
وقد اشكل الاولون على هذا النوع من النشاط اللغوي الامر الذي جعلهم يطلقون عليه الباطن او التفسير الباطن، وهو غير الظاهر من القول او الخطاب ، والباطن مشتق من النظرية القصدية التي تذهب الى ان الخطاب البلاغي يحمل قصدا مبطنا من الملقي الى المتلقي ، مع علم المرسل للخطاب بفكر المتلقي ، وتبؤه بما يمكن يكون عليه اثر الخطاب في المتلقي ، وهو ما تاسست عليه مدارس البنيوية والتفكيكية والهيرمنيوطيقا اي التأويل للخطاب ، لكن القران وبقية النصوص لابد لها من تمضي بذات النص مع تغير المحتوى ، لان القران كتاب مقدس ، لكنه يعتمد اللغة العربية وهي نتاج انساني ، وعليه فان اصول ومقتضيات النشاط اللغوي ينطبق جزء منها على القران . وهو الامر الذي جعل الامام الغزالي ينفي الباطن مدعيا ان الابقاء على التاويل والباطن سيفضي الى ملايين الخيارات ، وهي مقاربة ذكرها الناقد الفرنسي رولان بارت في كتابه الكتابة في الدرجة صفر ، حول طبيعة النص الادبي وما يمكن ان يحدثه في الاخر المتلقي .