غالباً ما يتعرض المجدد أو المصلح الديني للرفض، بسبب خروجه على القوالب المألوفة، التي تعدّها الأغلبية الدينية القوّامة، صمامات أمان ديني اجتماعي، وثوابت موروثة تعبِّر عن الإجماع المنظور. وقد يذهب جزء من تلك الأغلبية بعيداً، الى اعتبار هذا الخروج خروجٌ على ثوابت الدين وليس مجرد خروج على ثوابت الموروث. وليس بالضرورة أن يكون موقف الرفض الذي يواجَه به المجدد، خاطئاً؛ فهناك رفض لابد منه، وهو بالفعل يشير الى مشكلة أو انحراف في دعوة التجديد؛ فيكون الرفض كبحاً لجماحها، وحائلاً أمام اتساعها عمودياً وأفقياً، ولكن في الوقت نفسه، هناك رفض متعسف وغير صحيح، سواء في الجانب النظري أو أسلوب الرفض وحجمه وانفعالاته، خاصة أذا كان مبالغاً به وقاسياً، أو شخصانياً وتسقيطياً.
ومن المنطق والشرع، التعامل مع دعوة التجديد والاصلاح وفق قاعدة حسن الظن ابتداءً، إذا لم يكن المجدد مرتبطاً بأجندة مخاصِمة، وكانت أهدافه سليمة، وكان متخصصاً، وبخلافه تكون مواجهته ضرورية، بشكل ومضمون منسجمين مع حجم الضرر المتوقع، لا أكثر ولا أقل؛ فإذا لم يكن – مثلاً – متخصصاً في المجال الذي يعمل على التجديد والاصلاح فيه؛ وجب توجيهه من أهل الاختصاص، بالتي هي أحسن: ((هذا ليس اختصاصك، وسيكون مآل تجديدك وإصلاحك انحرافاً، وإن كانت نواياك حسنة وأهدافك خيرة)).
ولعل المجدد والمصلح المتخصص العادل، يقع هو الآخر، في مطبات تتعلق بالمنهج أو أسلوب الطرح أو النتاج، لأن التجديد التخصصي عملٌ إبداعي واجتهادي دقيق، ينطوي على تجديد في الأدوات والاستنطاقات والقراءات والاستنباطات، وهنا قد يصيب المجدد وقد يخطئ. وبكلمة أخرى؛ قد يكون خروج المجدد والمصلح المتخصص على القوالب المألوفة والمتغيرات الدينية الموروثة، صحيحاً وضرورياً حيناً، أو صحيحاً وغير ضروري أخر، أو غير صحيح ثالثاً. وربما نجد حيناً رابعاً، أن المجدد المختص العادل، يفتقد الى الوعي بالمصلحة العامة حيال جزئية معينة؛ فيكون خطابه ونتاجه وبالاً على المؤسسة الدينية وعلى المجتمع، وسبباً في افتتانهما وتخندقهما. والأمثلة على ذلك كثيرة جداً.
وربما أخطر حالات الانفعال والتطرف تجاه دعاوى التجديد والاصلاح، هو التهويل والمبالغة في تقويمها وتقويم أصحابها دينياً؛ فتكون المواقف المنفعلة والمتطرفة حيالها، تكفيراً وتفسيقاً وارتداداً وتضليلاً أحياناً، أو تنزيهاً مطلقاً وتعصيماً وتصنمياً أحياناً أخرى، وكلا الموقفين وجهان لعملة التطرف، المتعارض مع العلم والعدالة والتبيّن.
وفي المحصلة؛ ينبغي التعامل مع مناهج التجديد والاصلاح، ومخرجاتهما وأساليب طرحهما، تعاملاً منصفاً مرناً، كجزئيات مستقلة عن بعضها، وإن كانت صادرة من شخص واحد؛ فلا نرفضها كلها ولانقبلها كلها، سواء كنا نؤمن بهذا الشخص ونتبعه، أو كنا نخاصمه ولانؤمن به، لأن الرفض والقبول المطلقين والمنفعلين، لايمثلان وعياً، وإن صدرا من شخص واع، بل هما تعبيران عن التعصب والجهل، فليس بالضرورة أن تكون كل انفعالات الشخص الواعي واعية.
وأعتقد أنّ المنهج السليم في موضوع التجديد والاصلاح الروائي والعقدي والفقهي، وفي البنى والأنساق الفكرية والاجتماعية الدينية، هو المنهج المحافظ التخصصي، لأنه المنهج المتوازن الوسطي. أما المنهج التغييري الثوري في التجديد، أو منهج الصدمة والصعقة؛ فلا أراه صالحاً ومنتجاً، لأنه منهج متطرف، ويسلك – غالباً- طرقاً ومناهج انتقائية وارتجالية ودعائية، تعود بالضرر الكبير على المنظومة العقدية والفكرية والاجتماعية الدينية، وتخلق أسوء مظاهر الانفلات الفكري، والفتن الاجتماعية الدينية، دون أن تحقق نتاجاً وبناءً صالحاً للتجديد المطلوب. وضرر هذه المنهج لايقل خطورة عن ضرر المنهج الخشبي التخديري الظلامي، الذي يعيش خارج العصر ومتطلباته، ولايستشرف المستقبل واستدعاءاته، ويغطي على السلبيات والمخاطر، عبر مظاهر الجمود والانكماش والانعزال، وهو المنهج الذي يقابل المنهج الثوري، وكلاهما تعبير عن التطرف ومصدر للاضرار بالدين والمجتمع.