الكاتب عمر محمد الشريف

 

 

بعد استقلال أوكرانيا على إثر إنهيار الإتحاد السوفيتي، مرت العلاقة بين روسيا الاتحادية وأوكرانيا المستقلة بفترات من العلاقات الودية، والتوترات وعدم الاستقرار ، وأحيانا الصراع نظراً لأن القوى الحاكمة في روسيا تعتبر أوكرانيا أرض روسية قديمة ،وأن روسيا الشيوعية هي من أسست أوكرانيا الحديثة، مؤكدين أن أوكرانيا جزء لا يتجزأ من تاريخهم.

عانت أوكرانيا من التشتت والفرقة بين الأحزاب الموالية لروسيا الاتحادية والأحزاب المعارضة لها، صراع على التوجه السياسي والأيديولوجي، تارة نحو روسيا، وتارة نحو أوروبا، مع ارتفاع أصوات داخل الحكومة منادية بانضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو. يبدو أن الصراع الأيديولوجي سيظل مستمراً لفترة أطول في ظل الأزمة الراهنة.

في عام ١٩٩١م أجريت أول إنتخابات رئاسية، والتى فاز بها “ليونيد كرافتشوك” ليصبح أول رئيس لأوكرانيا بعد الاستقلال، وكان يتزعم فرع الحزب الشيوعي السوفيتي قبل استقلال بلاده. بعد كرافتشوك أصبح “ليونيد كوتشما” رئيسًا ، قضى كوتشما فترتين رئاسيتين متتاليتين بين عامي ١٩٩٤م و٢٠٠٤م.

مرت أوكرانيا الجديدة بظروف اقتصادية صعبة، فعانت من زيادة معدلات التضخم، ومعدلات الفساد، كان النظام السياسي والاقتصادي للبلاد عبارة عن مزيج من بقايا النظام الشمولي السوفييتي والرأسمالية الجامحة .

إلا أن الظروف الاقتصادية لم تكن وحدها مشكلة أوكرانيا حيث سبب التنوع العرقي التي تتمتع به صراع سياسيًا بين أبناء الوطن الواحد، إذ أن أوكرانيا بلد متعدد الأثنيات والأعراق واللغات، وهو منقسم بين شرق يتلكم الروسية تصل الأغلبية الروسية فيه إلى ٧٥٪؜ من سكانه، ويرون في روسيا بلدهم الأم، وبين غرب يتكلم الأوكرانية ويحبذ الانضمام لأوروبا ودول الأطلسي.

في السنوات الماضية كانت روسيا تستعمل ورقة الأقلية الروسية كورقة ضغط سياسي بحجة حماية حقوق هذه الأقليات، وهو ما حدث في الأزمة الحالية في إقليم دونباس شرقي أوكرانيا، بعدما أعلن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتن منذ أيام اعترافه باستقلال منطقتي “دونيتسك” و”لوغانسك”، معتبراً إياهما جمهوريتين مستقلتين.

أما الأسباب المؤدية لقيام الثورة البرتقالية في أوكرانيا فكان من أهمها أن الجمهورية الأوكرانية الجديدة بعد ١٣ عاماً من استقلالها لم تحقق التقدم اقتصادي المرجو، والذي يبنى على أساسه استقرار سياسي، ومع حلول الانتخابات الرئاسية الرابعة عام ٢٠٠٤م حين تنافس “فيكتور يانوكوفيتش” الذي ينتمي للكتلة الموالية لروسيا مع المعارض “فيكتور يوشتشينكو”، وفي خضم الحملة الانتخابية سمم المرشح المعارض لموسكو، والمقـرب مـن الـغـرب “فيكتور يوشتشينكو”، بمادة الديوكسين، ونُقل إلى النمسا للعلاج، ووجهت أصابع الاتهام بلا شك نحو موسكو ورجلها في أوكرانيا “فيكتور يانوكوفيتش”.

أعلنت نتائج الانتخابات بفوز فيكتور يانوكوفيتش على منافسه، إلا أن شكوكاً في نزاهة العملية الانتخابية أججت الاحتجاجات، لتندلع المظاهرات معلنةً عن انتفاضة شعبية عارمة، وخرجت الجماهير الغفيرة للاحتجاج على النتيجة.

اعتصم المتظاهرون في ميدان الاستقلال في قلب العاصمة كييف، حاملين الأعلام والرايات البرتقالية، وهو لون الحملة الانتخابية للمعارض يوشتشينكو، وصلت أعداد المتظاهرين لنحو نصف مليون شخص، خرجوا في مسيرات سلمية، منددين بما حدث من تزوير في الانتخابات.

بعد التظاهر في شوارع كييف وبعض مدن أوكرانيا لأسابيع، ورغم تهديد أنصار يانوكوفيتش في الشرق بالانفصال عن أوكرانيا إذا ألغيت النتائج، أجبرت الثورة البرتقالية البرلمان الأوكراني والمحكمة العليا لأوكرانيا على إعلان بطلان الانتخابات وإعادتها، واعتمد البرلمان تعديلات على قانون الانتخابات الرئاسية من أجل منع أي محاولة لتزوير الانتخابات مرةً أخرى. كما أقر البرلمان إصلاح دستوري يحد من سلطة رئيس الدولة، وينقل جزءًا من سلطاته إلى مجلس الوزراء والبرلمان.

كانت نتيجة الإعادة فوز زعيم المعارضة يوشتشينكو بأغلبية الأصوات، وإعلانه رئيسًا جديدًا لأوكرانيا ، وخسارة يانوكوفيتش، ليصبح في جبهة المعارضة.

وفي ٢٠١٠ م عندما جرت الانتخابات الرئاسية الخامسة، عاد رجل موسكو يانوكوفيتش لسدة الحكم، وانتخب رئيساً دون أي اعتراض قانوني ، وفي انتخابات ٢٠١٤م انتخب رجل الأعمال والسياسي بترو بوروشنكو رئيساً لفترة واحدة، ثم أنتخب الرئيس الحالي فولوديمير زيلينسكي رئيسًا بعد فوزه بانتخابات الرئاسة عام ٢٠١٩م، والذي عمل كممثل كوميدي ومخرج سينمائي قبل أن يعمل بالسياسة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *