بالتأكيد فإن السعي لتحقيق المساواة بين الجنسين في العراق هو رحلة معقدة تحتاج الى خطوات كبيرة وتواجهها تحديات هائلة. وسنحاول هنا ان نلقي الضوء على بعض تعقيدات هذه الرحلة، وذلك بالاعتماد على بيانات من مؤشر البنك الدولي للمرأة والأعمال والقانون لعام 2023 ومؤشرات رئيسية أخرى.
يضع مؤشر البنك الدولي لعام 2023 الذي يقيم المساواة بين الجنسين في 190 اقتصادا، العراق في درجة 48.1 من أصل 100. وهذا أقل من المتوسط الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والذي يبلغ 54. يقيم المؤشر المساواة بين الجنسين عبر ثمانية مؤشرات مهمة وهي التنقل، وحقوق مكان العمل، والأجور، والزواج، والأبوة، وريادة الأعمال، والملكية، والمعاشات التقاعدية. وترسم النتائج عبر هذه المؤشرات صورة للمجالات التي أحرز فيها العراق تقدما والتي لا يزال يتعين إنجاز العمل فيها.
وعلى الرغم من التقدم الذي انعكس في بعض مجالات مؤشر البنك الدولي، يواجه العراق فجوات كبيرة بين الجنسين والأعراف الاجتماعية التي تؤثر بشكل غير متناسب على النساء والفتيات. ولا تزال هذه التحديات قائمة حتى في الوقت الذي يخطو فيه البلد خطوات واسعة في تنمية رأس المال البشري. على سبيل المثال، ستكون الفتاة المولودة اليوم في العراق منتجة بنسبة 42 فقط بالمقارنة مع انتاجيتها لو كانت تتمتع بإمكانية الوصول الكامل إلى التعليم والصحة وفرص العمل.
تعد المشاركة الاقتصادية للمرأة في العراق جانبا حاسما من رحلة البلاد نحو المساواة بين الجنسين. وفقا لمؤشر البنك الدولي للمرأة والأعمال والقانون لعام 2023 بلغ معدل مشاركة النساء في القوى العاملة في العراق 10.9 في عام 2021 وهو أقل بكثير من 69.2 للرجال. ويسلط هذا التفاوت الضوء على التحديات الاقتصادية التي تواجهها المرأة في البلد. كما توفر بيانات البنك الدولي رؤى حول الشمول المالي للمرأة وريادتها في العراق. في عام 2021 كان لدى 13.6 فقط من النساء حساب مصرفية، مقارنة بـ 17.9 من الرجال. هذه الفجوة في الشمول المالي يمكن أن تحد من الفرص الاقتصادية للمرأة وقدرتها على بدء الأعمال التجارية وتنميتها. من حيث ريادة الأعمال، كانت نسبة 6.80 فقط من الشركات تشارك فيها الإناث في الملكية في عام 2011 و2.30 فقط من الشركات لديها مديرة عليا. تؤكد هذه الأرقام على الحاجة إلى تدخلات هادفة لتعزيز التمكين الاقتصادي للمرأة وريادة الأعمال في العراق.
اجتماعيا، لا تزال قضايا مثل الزواج المبكر والعنف القائم على النوع الاجتماعي تشكل تحديات كبيرة. على سبيل المثال، تزوجت 28 من النساء اللائي تتراوح أعمارهن بين 20 و24 اما في سن 18 عاما. كذلك، فإن 7.4 في المئة من النساء اللائي تتراوح أعمارهن بين 15 و49 عاما تعرضن لتشويه الأعضاء التناسلية للإناث في حياتهن. ولا تشكل هذه القضايا تهديدا لصحة النساء والفتيات ورفاههن فحسب، بل تحد أيضا من فرصهن التعليمية والاقتصادية.
على المستوى السياسي يشغل الرجال ضعفي ونصف عدد المقاعد في البرلمان مقارنة بالنساء، مما يشير إلى اختلال كبير في التوازن بين الجنسين في القيادة السياسية.
وبينما أحرز العراق بعض التقدم في تعزيز المساواة بين الجنسين، لا تزال هناك تحديات كبيرة. ويتطلب التصدي لهذه التحديات تدخلات سياسية شاملة تستهدف الأسباب الجذرية لعدم المساواة بين الجنسين. وبينما يمضي العراق قدما، سيكون من الأهمية بمكان إبقاء الأضواء مسلطة على هذه المسائل ومواصلة العمل من أجل مستقبل أكثر إنصافا للجميع.