أقسمت بأغلظ الايمان ألا أكرر ما فعلته ، وان كان في ذلك قطع لسبيل المعروف ، في كل مرة أعض اصبعي ندما ، لكن طيبتي تُكرر ايقاعي بما يقلق بالي ، وأنا الباحث عن راحة البال التي فيها وليس بغيرها سعادة الحال ، لا المال يساويها ، ولا الجاه يدانيها ، فما أجمل أن تنام قرير العين ، ومن الدقائق الأولى بعد الاستلقاء ، وكأنك على حد وصفهم تضغط زرا ، وليس غير القلق ما يجعلك حبيس الأرق ، تضرب أسداسا في أخماس ، وأكثر ما يقلقك ذاك الذي يرتبط بقوت عيالك . وهذا تحديدا ما حدث لي عندما دعاني موظف في مصرف أهلي عبر اتصال هاتفي لتسديد قسط شهري لقرض استلمه شخص كفلته حياء ولست راضيا ، والمأخوذ حياء كالمأخوذ غصبا ، لكن سطوة الحياء جعلتني أبصم على أكثر من ورقة ككفيل ضامن لمقترض يعمل موظفا حكوميا . وحضراتكم تعرفون ان الكفيل خسّار . ما لفتني ان مصارفنا الأهلية والحكومية ودخلت على الخط القروض التي تقدمها مكاتب الصيرفة ومنافذ الرواتب عند حصول مشكلة تطارد الكفيل وتترك المقترض ، مع ان المقترض موجود ومعروف محل سكنه ، لكنها تكتفي بتبليغه مرة واحدة ، بينما تُكثر من الحاحها على الكفيل ، فتسمعه كلمات لا تناسب شخصه ، وتهديدات لا تليق بمكانته ، كمفاتحة دائرته لإيقاف راتبه ، وقد يكون للمصارف الحكومية حق في اجبار الكفيل على دفع ما بذمة المقترض اذا كان من غير العاملين في القطاع العام ، والسؤال : اذا كان المقترض موظفا حكوميا فلِمَ لا تُفاتح دائرته بهذا الشأن ؟، وفي الحالين لِمَ لا تُقام على المقترضين دعاوى في المحاكم لاسترجاع الاستحقاق ، ويطالب الكفيل بالتسديد في حال كان المقترض خارج البلاد او مجهول محل السكن ، أو عندما تستعصي جميع الحلول .
حدثتني أحدى الموظفات بأنها كفلت مع زميلتين لها موظفة تدرس خارج العراق بمبلغ يقرب من (300) مليون دينار ، لكن الموظفة أخفقت في دراستها ، ولعدم تسديدها التكاليف صارت الدائرة تطالب الكفيلات بالرغم من ان الموظفة عادت من بلد الدراسة وتراجع دائرتها بين حين وآخر، ومحل سكنها وأهلها معلوم للشعبة القانونية ، ومازالت الكفيلات حائرات بعد انذارهن بقطع رواتبهن ، واذا أبديت رأيا بهذا الخصوص قيل لك : أليست كفيلات ؟ حذرتني زميلتي من الكفالة مهما كانت صلة القرابة ومستوى الثقة ، لأن في ذلك مخاطر تدمر حاضر الكفيل ومستقبله ، وروت لي كيف كفلت قريبا لزوجها ، وعندما حان موعد التسديد رفض الحضور ، ولم تحثه جميع السبل على تدبير أموره والايفاء بالتزاماته ، لا صلة القرابة حركت ضميره ، ولا التضامن معه كان في وارد تقديره ، ولا الجلسة العشائرية حلت العقدة ، ما اضطرها لبيع حاجيات بيتها والاستدانة لدفع (35) مليون دينار مبلغ الكفالة .
ومع ان منافذ توزيع الرواتب أسهمت بتذليل المتاعب في الدوائر والمصارف الرسمية ، وسهلّت على المستفيدين استلام رواتبهم في الأوقات المناسبة ، لكن هذه المنافذ ومعها مكاتب الصيرفة صارت تمارس عملا لا شرعيا يتمثل بإقراض المواطنين بنسبة أرباح شهرية عالية ، المواطنون يعرفون ان هذا العمل حرام ، وأرباحه تتراكم حتى تفوق المبلغ المُقترض أضعافا ، بما يقطع الأنفاس ويشوش الأفكار ، لكنهم مضطرون تحت طائلة حاجة ملحة لا تقبل التأجيل ، وعندما يتعثر المقترض بالتسديد ، سرعان ما يتصلون بالكفيل ، وذويه او أقاربه اذا كان بلا كفيل ، وغالبا ما ينتهي الأمر بمشكلة معقدة ماليا واجتماعيا . في سبعينيات القرن الماضي وما قبلها استشعرت الدولة حاجة المواطنين لمبالغ ليست ضخمة ، فجنبتهم مذلة السؤال وسد حاجتهم بطرق لطيفة كتسليف موظفيها من الدوائر التي يعملون فيها ، والاقراض بطريقة ( الرهن ) ، كأن يرهن المواطن حليا ذهبية في مصرف مقابل مبلغ من المال ، أما الآن فليس أمام المحتاجين سوى أبواب مكاتب الصيرفة او التفريط بماء الوجه والاستدانة من المعارف ، ومع ايماني بالتكافل ، لكني صرت أخشى الكفالة حتى مع الذين هم محل للثقة.