بين الحين والآخر ارى منشورات في هذا المقهى الكبير والمترامي الاطراف الذي اسماه صاحبه ( الفيس بوك) تهتك حرمة الشهادة العليا وتسخر منها ومن حاملها، وتشكك بأهلها.
لست منزعجاً من هذا الذي اراه لسبب شخصي يمسني، ولكن ارى أن من المعيب التكلم عن العلم والعلماء بهكذا ازدراء غير مبرر .
اصحاب الشهادات العليا هم الكفاءات، واتذكر في الثمانينات كانت هناك سيارة ( مرسيدس) تسمى باسمهم وحي سكني في منطقة مهمة ببغداد ايضا بذات الاسم ، كنا نسمع بهم ولا نراهم، واذا مروا فيكون مرورهم محفوف بالوقار والسكينة، هم بناة المجتمع وقادته، والركن الحصين للمدنية والتحضر.
البعض يرى الشهادة مجرد ( برستيج) او (موضة) يتداولها الناس في ما بينهم، وآخرين يرون ان حملة هذه الشهادات غير كفوئين، والبعض الاخر يرى انها اصبحت شيء من الاسفاف والترهل. وهكذا كل يرى الموضوع من الزاوية التي تروق له، و (هذا حق مشروع) للجميع.
ولكن غير المشروع واللافت للانتباه ان ارى اصحاب تلك الشهادات هم المتداخلين والمعلقين على مثل هكذا منشورات، بمعنى، انهم هم الذين يسخرون من الشهادة.
الدكتوراه يا (سادة) قلق يومي يستمر لثلاث سنوات وربما اكثر. الدكتوراه انقطاع كامل عن المسرات وانقياد بالكامل نحو (النبش) والتحقيق والاستنباط وتقوية علاقاتك باصحاب المكتبات الرسمية والغير رسمية. الدكتوراه برنامج (غذائي للترشيق) و(دايت قسري) لان الهم الذي يحيط بك يسد نفسك عن الطعام.
هل تعلم ما معنى ان تكتب بالأسبوع ما لا يقل عن بحثين، كل بحث بموضوع مختلف عن الاخر، وبضرورة ان لا تقل مصادر البحث عن ( 20) مصدرا.
وبعد اتمام البحثين تقوم بطباعتها على عدد الطلبة الزملاء واستاذ المادة وتكون جاهزا للمناقشة عن كل شاردة و واردة بالبحث، ومن ثم تتهيأ للمباشرة بإعداد بحوث الاسبوع القادم وصولاً الى الامتحان الشامل الذي يتضمن الامتحان بكل مفردات البكلوريوس والماجستير والمواد التي درستها بالدكتوراه لفصلين متتاليين شفوياً بلجنة متكونة من (عتاة) الاختصاص وهذه اللجنة اقل ما يقال عنها للتشبيه (لجنة شرحبيل) في مستشفى الرشيد العسكري، وتحريرياً بأسئلة اقصرها يحتاج الى دفترين للإجابة عنه.
الانتقاد يجب ان يكون ضمن إطار الدائرة المشار لها بالسلب اما التعميم فهذا ينتقص من المتحدث قبل الاخرين وقبل كل شيء.
الدكتوراه دراسة لا يمكن السخرية بها.