يفرض التغيير نفسه على الواقع السياسي كضرورة لا مناص منها، نظرا الى ما يواجهه النظام السياسي من أزمات متفاقمة ومشاكل بنيوية، ومن عقد يصعب حلها بالترقيع والمناشدات والوعود المجردة.
ومن الواضح ان موضوعة التغيير لم تعد مفردة عادية في الخطاب السياسي العام، بل اصبحت برنامجا تعمل عليه القوى التي وجدت نفسها في تعارض مع نهج المحاصصة والفساد، وشكلت تحالفا سياسيا واعدا يعمل على تطبيق هذا البرنامج. وطبيعي ان يصطدم الحضور السياسي لهذه القوى ومشروعها بمحاولات تشويه وإساءة من لدن طغمة الحكم، التي لا تقف مكتوفة الايدي امام المطالبة الشعبية بإحداث التغيير. وهي تسخر ابواقها الإعلامية وبعض المحسوبين على الثقافة والمختصين بالفكر من اتباعها، لتشويه الوعي الشعبي العام بمفهوم التغيير، عبر تسطيح هذا المفهوم وتقزيم دلالاته، وحصر غايته في تحسين إدارة النظام السياسي، وبالتحديد في تغيير الوجوه المتربعة فوق المناصب، دون المساس بأسس النظام وبنيته، التي هي جذر الازمة ومنطلقها.
ويستدعي هذا من قوى التغيير بذل المزيد من الجهد الفكري والسياسي والتعبوي، لشرح جوهر التغيير ومقاصده وتبيان مداه، ولتوضيح أساسه الذي يتلخص في جعل بنية النظام تقوم على المواطنة لا على المحاصصة، والعمل على إحداث تحوّل لهذا الغرض في موازين القوى، تحوّل لصالح القوى المؤمنة بالتغيير والساعية اليه، باعتباره المنهج الذي تتبعه للوصول بأﻓﻜﺎﺭﻫﺎ وبرنامجها الى حيز التنفيذ، وازاحة طغمة الحكم الماسكة بالسلطة، الرافضة للتغيير والكابحة له. وهذا لا يتحقق بسهولة ولا بالسرعة المرجوة، فهو هدف ليس وقتيا او ظرفيا محدودا، انما عملية مستمرة شاملة. وقد قال الفيلسوف شوبنهاور ان “التغيير بحد ذاته أبدي ودائم لا يموت).
وبهذا المعنى فالتغيير الذي نفهمه هو حراك المجتمع الرافض لواقعه البائس، والساعي للاﻨﺘﻘﺎل نحو مرحلة جديدة.
ولا يمكن المضي في التغيير من دون أساس فكري راسخ. فالجانب الفكري يعد الأساس في الكفاح من اجل التغيير، لذا فان مسؤولية القوى الحاملة لمشروع التغيير الشامل تكمن في نشر الوعي بين القيادات والكوادر السياسية، كي تؤدي دورها المماثل في الكفاح الفكري والتعبوي العام. وهذا يتطلب ان تضع في حساباتها التحديات التي تكتنف طريقها، وتدرك المصاعب والمعرقلات، وتستعد لكفاح طويل الأمد لا كلل فيه ولا ملل، ويتطلب المبادرة واختيار التكتيك السياسي المناسب، ومواصلة التثقيف الفكري للقيادات والكوادر المتصدرة لمهمة التغيير. ففرص النجاح لا تزداد الا إذا توفرت قيادات سياسية وكوادر تعبوية مدركة لمنهج التغيير وآفاقه، وتتحمل مسؤولية نقل الوعي بضرورة التغيير الى الجماهير الشعبية، المالكة لمكامن القوة، والمدركة لمصالحها.
ولا جدال في ان كفاح الطامحين الى التغيير يرتبط بمدى تأمينه لمصالحهم، وان حماسهم الى تحقيقه يتصاعد مع ارتفاع وعيهم لضرورته.