على مقربة من دجلة ورغم جدب الماء الحاصل فيه .. كانت الحمائم تحطُ وتطير ، طمعاً في ان تروي ضمئها وأيغالاً منها في الحب .. وانا اعبرُ جسر السنك رغم قيض تموز والهواء البارح ، كنتُ الحظ من بعيد أن يماماً كثيراً وأن حماماً كثيراً قد سبقني الى مسرحُ الرشيد نعم كانت أمسية ساخنة في البوح عميقة في التجلي شاهدة على البلاء والبلوى .. نعم صدقوني وأنا احث الخطى لمشاهدة العرض المسرحي المعرق ( جنون الحمائم ) هالني ماوجدتهُ من رقص لخص حجم البلاءات وربما ناكف في بوحهِ غرائيبه ( آلبير كامو ) كان العمالقة الثلاث عزيز وعواطف وشذى يستنشقون حزننا المكبوت ويتناسلون وجعنا خلال العشرين سنة الماضية .. والغريب أني وجدتُ الدكتوره عواطف وهي تشتغلُ على نص (كامو) لم تستدعي ألمهُ الخفي ..واسئلته البادية على ابطاله بل جعلت (البير كامو يعيش ) الوجع العراقي فخلقت لنا نصاً موازياً تماهت بهِ مع الغرائبية والتحدي الذي استحال الى حزنا باسق وصبر موجع .. وقد كان للاداء الرائع للكبير عزيز خيون والذي أحسستُ كمتلقي انهُ كان حذراً في التعاطي مع النص ” لكامو” والنص الموازي لعواطف فخط لنا على خشبة المسرح معادلاً صورياً أشبعنا وجعاً ولقننا درساً في كيفيه استثمار الوعي والانتماء والاخلاص للحرفة .. وكذا فعلت الكبيرة عواطف نعيم التي اجدني بلا مبالغة كانت تسير بين حقلي الغام ، الحقل الاول في كتابتها لنص موازي كان انحيازها للنص الموازي ( الوجع العراقي ) لم يفقدها امانة التعاطي مع نص كامو الكبير وحقل الالغام الثاني كان واضحاً في مواجهتها لوحشين في التمثيل واقصدُ الاستاذ عزيز خيون والدكتوره شذى سالم .. وكان للدور الذي لعبتهُ الدكتوره شذى سالم أبنة خاتون اداءً مدهشاً في تعاملهِ مع نص قراءته كثيراً ومحنة عراقية موازية للنص والاغرب من ذلك وانا اشاهدُ اداء الكبيرة شذى سالم وجدتُ انها قد اضافت للدور الاصلي (الكاموي ) شحنة من وجع عراقي باسق والذي بدا واضحاً على هذا التلوين والتجويد في الصوت والجسد .. نعم لقد ناحت حمامات دجلة ونشغ الجمهور العراقي في ملحمة جنون الحمائم مع هذا الوجع المسكوت عنه ومع هذه الغربة التي تسكنُ عقول وأفئدة العراقيين فشكراً لكاهن معبد السومري( أبسو ) عزيز خيون الذي كسر قلوبنا بنشيج روحه الطائر وشكراً للرائعة عواطف نعيم (الالهة ننسُن ) ام گلكامش وهي تخسر فلذات قلبها برباطة جأش ، وشكراً للصائحة النائحة ( ناديتم ) الكاهنة التي ابكت سكان المعبد فأهتز جدران المسرح شجنناً لثغيبها شكراً لكم ايها الكبار وانتم تعيدون لنا مجد مسرح عراقي مفقود وكتابة لا تجدُ في همومنا شاهد.