حاجة بربع ..كلمة يعرفها العراقيون دون سواهم ويفهمون معناها جيدا ..كيف لا.. ولطالما اُثقلت مسامعهم بها وصُدعت منها رؤوسهم ، بينما هم يتجولون في الاسواق اما متبضعين او قاصدين مقصدا، حتى ان صخب الباعة يجعلهم يحثون الخطى هاربين بعيدا عن كل تلك الضوضاء والفوضى التي يحدثونها حين يعرضون بضاعتهم الرديئة والتي لولا بؤس العيش ومشقته لما اضطروا لتحمل عناء المتاجرة بها، تحت حرارة الشمس الحارقة صيفا او قساوة البرد وتقلبات الطقس التي تختلف في العراق عن اغلب بلدان العالم، يضاف الى ذلك الارباح الحقيرة المرتجاة من المتاجرة بهذا النوع من البضائع ،حيث يغلب عليها الرداءة وسرعة العطب حتى ان بعضها تكون معطوبة قبل استخدامها .
كثيرا ما سألتُ نفسي.. ترى ما هي الكلفة الحقيقية لإنتاج مثل هذه البضائع .. ؟اذا كانت تصل للمستهلك بهذا الثمن الزهيد جدا رغم ان البائع الجملة والتاجر والناقل والمنتج جميعهم قد حققوا ارباحا مرضية قبل ان تصل للبائع الذي عكر هدوء هذا السوق.
وهل ان الجهة المنتجة أعطت ضمانات حول جودة وسلامة بضاعتها للتاجر قبل توقيع العقد ..؟ كما تفعل الشركات الرصينة ومنها على سبيل المثال لا الحصر شركة ميرو الكورية الجنوبية عندما تعاقدت معها المفوضية العليا على صفقة شراء أجهزة العد والفرز الإلكتروني لإدارة عملية الإقتراع في إنتخابات عام2018 في العراق.
كاشفة النقاب عن فضيحة جديدة وفساد بعشرات الملايين من الدولارات ،لاسيما وقد شهد الكثير من مراكز الاقتراع عطلها حتى قبل استعمالها، واذا كانت الشركات مسؤولة عن الخلل في بضاعتها فهي بالتالي ستكون أمام شروط جزائية كغرامات وخسائر يجب أن يتضمنها العقد المبرم بينها وبين المفوضية ..والسؤال المهم هنا.. ألا تتحمل المفوضية مسؤولية الهفوات التي شابت عملية الاقتراع جراء ما طرأ من مشاكل في اجهزة إدخال البيانات التي هي من تعاقد عليها ..؟
وبالتالي فهي مسؤولة اولا وأخيرا عن كل فرد لم يستطع ممارسة حقه الانتخابي، يضاف الى ذلك مسؤوليتها عن التنظيم السيء لإدارة العملية الانتخابية فيما يتعلق بتحديث بطاقات الناخب وتوفير الكوادر الكافية من المراقبين وعدم وجود مراكز كافية للاقتراع والضغوط والتهديدات التي تعرض لها الناخبين بسبب سطوة السلاح المنفلت والوضع المزري لتلك المراكز والتي شهد العالم أجمع عبر الفضائيات وما تناقلته عدسات المصورين والصحافة على عدم انتظامها وقذارة الكثير من المراكز المحلية منها ..ناهيك عن حالات التزوير التي طفحت للسطح والاتهامات المتبادلة بتزوير النتائج بين الكتل السياسية نفسها تارة وبين الكتل والمفوضية تارة أخرى ..يضاف لكل تلك السلبيات والخروقات والمشاكل العزوف الكبير من قبل الشارع العراقي عن ممارسة العملية الانتخابية مشككا بنزاهتها يتملكه اليأس من أي محاولة لإصلاح العملية السياسية التي يرى ان اللاعبين الكبار هم الذين يمسكون بخيوطها وبالتالي فهم من يضع النتائج فيها وحتى ان التغيير الذي قد يطرأ على الخارطة السياسية فأنه لن يغير من مضمونها السيء ولن يؤثر في مسارها المنحرف. كل ذلك دفع العراقيين للنأي بأنفسهم عن السير في ركب هذه العملية التي اقل ما توصف به بالهزلية والضوضائية والعقيمة لإيمانهم بأنها اصبحت غير مجدية ولا يمكن أن تعود بمنفعة تذكر لتحقيق طموحاتهم وانها لا تختلف كثير عن فائدة وقيمة ما تحققه البضائع التافهة ومنها” حاجة ب ربع” .