ربما‭ ‬كانت‭ ‬المعركة‭ ‬التي‭ ‬دارت‭ ‬حول‭ ‬أسوار‭ ‬مدينة‭ ‬فينا‭ ‬عام‭ ‬1683‭ ‬بين‭ ‬الدولة‭ ‬العثمانية‭ ‬وبقايا‭ ‬الامبراطورية‭ ‬الرومانية،‭ ‬وانتهت‭ ‬بهزيمة‭ ‬الأولى،‭ ‬هي‭ ‬النقطة‭ ‬الفاصلة‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬الإسلام‭. ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬أحداً‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬يذكرها،‭ ‬أو‭ ‬يعتبر‭ ‬بها،‭ ‬أو‭ ‬يشير‭ ‬إليها‭ ‬من‭ ‬قريب‭ ‬أو‭ ‬بعيد‭.‬

‭ ‬لقد‭ ‬كان‭ ‬الصدر‭ ‬الأعظم‭ ‬مصطفى‭ ‬باشا‭ ‬يدرك‭ ‬أن‭ ‬سيطرته‭ ‬على‭ ‬فينا‭ ‬ستفتح‭ ‬له‭ ‬أبواب‭ ‬أوربا،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أحكم‭ ‬سيطرته‭ ‬على‭ ‬المجر‭ ‬وبوهيميا‭ ‬وبلاد‭ ‬البلغار،‭ ‬أو‭ ‬عودة‭ ‬الإسلام‭ ‬إلى‭ ‬أوربا،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬مني‭ ‬بهزائم‭ ‬موجعة‭ ‬في‭ ‬بلاد‭ ‬الأندلس‭. ‬أي‭ ‬أن‭ ‬تقدم‭ ‬العثمانيين‭ ‬في‭ ‬شرق‭ ‬هذه‭ ‬القارة‭ ‬هو‭ ‬الرد‭ ‬الحقيقي‭ ‬على‭ ‬تراجعه‭ ‬في‭ ‬غربها‭.‬

‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬هزم‭ ‬مصطفى‭ ‬باشا‭ ‬في‭ ‬معركة‭ ‬فينا،‭ ‬بدأت‭ ‬حرب‭ ‬الاسترداد‭ ‬التي‭ ‬أجبرت‭ ‬العثمانيين‭ ‬على‭ ‬التخلي‭ ‬عن‭ ‬أراض‭ ‬كثيرة‭ ‬كانت‭ ‬قد‭ ‬احتلتها‭ ‬في‭ ‬سنوات‭ ‬سابقة‭. ‬وكانت‭ ‬فاتحة‭ ‬لتدهور‭ ‬مكانة‭ ‬الإسلام‭ ‬في‭ ‬عموم‭ ‬أوربا‭.‬

‭ ‬لقد‭ ‬أعادت‭ ‬إلى‭ ‬ذهني‭ ‬هذه‭ ‬الحادثة،‭ ‬الضجة‭ ‬الواسعة‭ ‬التي‭ ‬تبعت‭ ‬قضية‭ ‬حرق‭ ‬القرآن‭ ‬في‭ ‬السويد،‭ ‬أمام‭ ‬السفارة‭ ‬العراقية،‭ ‬بيد‭ ‬شخص‭ ‬عراقي‭ ‬الأصل‭.‬‭ ‬وكان‭ ‬من‭ ‬الطبيعي‭ ‬أن‭ ‬يشعر‭ ‬المسلمون‭ ‬في‭ ‬أرجاء‭ ‬العالم،‭ ‬وفي‭ ‬العراق‭ ‬خاصة،‭ ‬بالغضب‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬التجاوز‭ ‬غير‭ ‬المبرر‭ ‬على‭ ‬حرمة‭ ‬القرآن‭. ‬وأن‭ ‬يتطور‭ ‬هذا‭ ‬الغضب‭ ‬إلى‭ ‬احتجاجات‭ ‬وتظاهرات‭ ‬في‭ ‬الشوارع،‭ ‬وتوتر‭ ‬في‭ ‬العلاقات،‭ ‬وحرق‭ ‬السفارات،‭ ‬وغير‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬الأمور‭.‬

‭ ‬لقد‭ ‬توقف‭ ‬الإسلام‭ ‬عن‭ ‬التقدم‭ ‬غرباً‭ ‬بعد‭ ‬معركة‭ ‬فينا‭ ‬الآنفة‭ ‬الذكر‭. ‬وكان‭ ‬يمكن‭ ‬لو‭ ‬تمكن‭ ‬العثمانيون‭ ‬من‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬المدينة‭ ‬أن‭ ‬يستمروا‭ ‬في‭ ‬الزحف‭ ‬نحو‭ ‬البلدان‭ ‬الأخرى،‭ ‬ويتحول‭ ‬الإسلام‭ ‬بمرور‭ ‬الوقت‭ ‬إلى‭ ‬دين‭ ‬الغالبية‭ ‬العظمى‭ ‬من‭ ‬الأوربيين‭. ‬وينتهي‭ ‬بذلك‭ ‬الخطر‭ ‬الذي‭ ‬شكلوه‭ ‬على‭ ‬البلدان‭ ‬المشرقية‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬بعد‭.‬

‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬المسلمين‭ ‬استأنفوا‭ ‬محاولاتهم‭ ‬في‭ ‬العصر‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الهجرة‭ ‬إلى‭ ‬بلدان‭ ‬الشمال‭ ‬الأوربي،‭ ‬لإيجاد‭ ‬موطئ‭ ‬قدم‭ ‬للثقافة‭ ‬الإسلامية‭ ‬فيها‭. ‬وساعدت‭ ‬ظروف‭ ‬عدم‭ ‬الاستقرار‭ ‬في‭ ‬بلدانهم‭ ‬على‭ ‬تسارع‭ ‬هذه‭ ‬الهجرة‭. ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬نسبتهم‭ ‬في‭ ‬السويد‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يزيد‭ ‬عدد‭ ‬سكانها‭ ‬عن‭ ‬10‭ ‬مليون‭ ‬نسمة‭ ‬بلغت‭ ‬نحو‭ ‬20‭% (‬حوالي‭ ‬مليوني‭ ‬شخص‭). ‬وهذا‭ ‬تطور‭ ‬مهم‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يمر‭ ‬مرور‭ ‬الكرام‭ ‬على‭ ‬مراكز‭ ‬البحوث،‭ ‬وأجهزة‭ ‬المخابرات‭ ‬في‭ ‬الغرب‭. ‬وما‭ ‬حادثة‭ ‬الاعتداء‭ ‬على‭ ‬القرآن‭ ‬هذه‭ ‬في‭ ‬السويد،‭ ‬وما‭ ‬أعقبها‭ ‬من‭ ‬حوادث‭ ‬مماثلة‭ ‬في‭ ‬الدنمارك،‭ ‬ببعيدة‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الأجواء‭. ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬إثارة‭ ‬مشاعر‭ ‬العداء‭ ‬ضد‭ ‬المسلمين‭ ‬ستؤدي‭ ‬إلى‭ ‬وضع‭ ‬العقبات‭ ‬أمام‭ ‬تدفقهم‭ ‬إلى‭ ‬تلك‭ ‬البلدان،‭ ‬وهو‭ ‬البديل‭ ‬الموضوعي‭ ‬للحملات‭ ‬العسكرية،‭ ‬أو‭ ‬الفتوحات‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تجري‭ ‬في‭ ‬القرون‭ ‬الخوالي‭.‬

‭ ‬ولا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬تجاهل‭ ‬هذه‭ ‬الحادثة،‭ ‬والتعامل‭ ‬معها‭ ‬بعقلانية،‭ ‬وفهم‭ ‬الدوافع‭ ‬التي‭ ‬تقف‭ ‬وراءها،‭ ‬هي‭ ‬الرد‭ ‬الأمثل‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬السلوك‭ ‬المنحرف‭. ‬وحينها‭ ‬سيدرك‭ ‬من‭ ‬قام‭ ‬بها،‭ ‬أو‭ ‬الذي‭ ‬ينوي‭ ‬تكرارها‭ ‬في‭ ‬المستقبل،‭ ‬أنها‭ ‬غير‭ ‬ذات‭ ‬جدوى‭. ‬وليس‭ ‬لها‭ ‬اي‭ ‬تأثير‭ ‬على‭ ‬التعايش‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الديار،‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬توافد‭ ‬المسلمين‭ ‬إلى‭ ‬هناك‭.‬

‭ ‬لقد‭ ‬انقادت‭ ‬فئات‭ ‬كثيرة‭ ‬لدينا‭ ‬لعاطفتها‭ ‬الصادقة،‭ ‬وهرعت‭ ‬إلى‭ ‬الشوارع،‭ ‬لتندد‭ ‬بهذا‭ ‬الحدث‭ ‬بأعلى‭ ‬صوتها‭. ‬وتقوم‭ ‬بأعمال‭ ‬فوضى‭ ‬لا‭ ‬موجب‭ ‬لها،‭ ‬وتشكل‭ ‬أداة‭ ‬ضغط‭ ‬على‭ ‬حكوماتها‭ ‬بهدف‭ ‬قطع‭ ‬العلاقات‭ ‬السياسية‭ ‬والاقتصادية‭. ‬وهي‭ ‬أمور‭ ‬لا‭ ‬تصب‭ ‬في‭ ‬صالح‭ ‬بلدان‭ ‬المسلمين‭ ‬بشكل‭ ‬عام،‭ ‬ومنها‭ ‬العراق،‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬الأول‭ ‬في‭ ‬إظهار‭ ‬امتعاضه‭ ‬من‭ ‬القضية‭. ‬وأظن‭ ‬أن‭ ‬الجهات‭ ‬التي‭ ‬خططت‭ ‬لمنع‭ ‬تقدم‭ ‬الإسلام‭ ‬في‭ ‬الغرب،‭ ‬قد‭ ‬نجحت‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬بعيد‭ ‬في‭ ‬مهمتها‭.‬‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬ينتبه‭ ‬له‭ ‬الجميع‭ ‬لدينا‭. ‬فالخسارة‭ ‬ستكون‭ ‬من‭ ‬نصيبنا‭ ‬نحن‭ ‬لا‭ ‬غيرنا‭. ‬وسنثبت‭ ‬حينها‭ ‬أننا‭ ‬بلعنا‭ ‬الطعم،‭ ‬ووقعنا‭ ‬في‭ ‬المحظور،‭ ‬وفشلنا‭ ‬للمرة‭ ‬الثانية‭ ‬بعد‭ ‬معركة‭ ‬فينا‭ ‬الفاصلة‭ ‬قبل‭ ‬ثلاثة‭ ‬قرون‭ ‬ونصف‭ ‬في‭ ‬اختراق‭ ‬القارة‭ ‬البيضاء

قبل aktub falah

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *