عندما وصلت سبايا أل محمد بعد فاجعة كربلاء إلى الشام، كان أهل الشام يحتفلون بنصر الأمير على الخارجي!.. فأبن بنت النبي الأكرم وأخر الخمسة أصحاب الكساء، وأحد الخمسة اللذين باهل بهم عليه وأله أفضل الصلوات، نصارى نجران التي ذكرت قصتها القرآن الكريم..
“فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ”..
الإعلام الأموي الذي لازال فاعل وفعال؛ صير الإمام الحسين، أمام الناس خارجيا وان يزيد منصور من الرب!.. وهو تكرار لحادثة أستشهاد أمير المؤمنين وسأل حينها اتباع معاوية كيف قتل؟ قالوا أثناء الصلاة، فتعجبوا من الخبر، وقال القوم أو كان علي يصلي!
ورغم ذلك تبع ذلك حادثة دخول السبايا على يزيد في القصة المعروفة، وما رافقها من تداعيات ومواقف، حين علمت زوجته هند حقيقة السبايا فأقامت مجلس عزاء على الحسين واهل بيته في قصر يزيد!
تلك هي لعبة الإعلام المنحرف، وقدرته على تشويه وتسويف الحقائق وقلب الأحداث، وهي الحقيقة التي يعرفها جميع الناس ويقرؤون عنها، لكنهم سرعان ما ينسون ويقعون في شراكها من جديد.
الجادرية والكرادة حيث قلب بغداد الجميل، تلك المنطقة تحديدا التي كانت حكرا لصدام وأبناءه وجلاوزته ومن ماثلهم ووالهم.. والتي كانت تصدح أنغام المجون فيها حتى ساعات الصباح الأولى، سواء في مطعم البحر الأبيض حيث كان “يتسمم” عدي وقصي وعصابته وحتى حيواناته الوحشية التي كان يربيها، أو في دار استراحته في الناظمية.. الكرادة كانت محرمة وممنوعة بدون امر رسمي، على العوائل الشريفة وعلى الحسينيين الخلص.
حصلت المعجزة ورفع شعار “صدام النذل وينه” وتحققت المعجزة وفضحت أكذوبة قهقهته أمام زبانيته وهو يتبجح بلكنته الطائفية المقيتة قائلا “حنا حتى لو يريد محمد باقر الحكيم يرشح للانتخابات أحنا مستعدين نرشح على الشيعة فقط وهو يرشح على كل العراق فأذا حصلنا أقل الثلثين فهو ناجح”، حيث كان الحكيم الهاجس المرعب لصدام وزبانيته.
نعم نجح محمد باقر الحكيم وسكن خليفتاه ورجاله الكرادة وتحديدا الجادرية، على مسافة غير بعيدة عن مطعم البحر الأبيض ودار إستراحة أبنه الكسيح عدي، وأتخذوا من دار ضابط ارتباط صدام مع الموساد طارق حنا عزيز المغتصبة أصلا مقر، بل وتحول المكان إلى محفل حسيني تستعرض فيه مواكب عزاء الإمام الحسين، وتعقد مجالس العزاء بأيام سيد الشهداء.
من قبالة هيئة الحج والعمرة ترجلنا من السيارة، فتنبهت آذاننا لقرع طبول المواكب، وهي تدخل من محيط ساحة الحسنيين قبالة جسر الطابقين، وكلما تقدمنا بإتجاه مكتب الحكيم ” تزداد الجموع إزدحاما, شباب وشيبة والمفرح الأطفال, ورداء الجميع السواد وسمتهم التسابق فالقاعة “راح تقبط”.. ووصلنا قبالة جسر الطابقين فأزداد قرع الطبول إرتفاعا، فمواكب الدورة والزعفرانية وجسر ديالى والنهروان وجوارها, تعبر الجسر سيرا على الأقدام تاركين عجلاتهم في الجهة المقابلة، ليتخلصوا من الزحام بعد إنتهاء المجلس.
منظر مهيب ورهيب داخل القاعة، فقيادات الصف الأول لتيار الحكمة يجلسون في أخر الصفوف, وعندما تزداد الأعداد ينهضون ليدخل المعزون الأخرون، والقاعة ممتلئة والمكتب من الباب الرئيسي الى باب القاعة الكبرى, يضج بالناس من كل حدب وصوب في بغداد، وفي مقدمة القاعة يجلس الحكيم والى جانبه الرسميون في الدولة رئاسات وزراء ونواب وسفراء وضيوف في البلد، تجد الدولة والدول على جانبي الحكيم إلا نواب الحكمة وقياداتها فيخلوا منهم المكان، فهم أصغر الخدام كما قال لي أحدهم في المجلس! يرتقي الخطيب المفوه المنبر ليضع بيد السامع الحقيقة بالأدلة والبراهين الراجحة الواضحة، يليه الرداود الشهير والموفق الملا باسم الكربلائي، ليرسم لوحة حسينية يفتخر بها كل حسيني قولا وفعلا..
هل تصدقون هذا!.. نعم عقد في دار الطاغوت أكبر مجلس عزاء في العراق وأكثرها شمولية وتنظيما، فوجدنا السني والكردي والبدري والصدري والدعوة والعصائب، يجلسون جنب بعضهم يبكون مرة ويلطمون الصدور أخرى، ويعظم بعضهم أجر بعض بإنتهاء المجلس، بعيدا عن السياسية وتعقيداتها.. لكن الإعلام المريض يأبى أن يغادر ثوبه القذر.. فصار يهاجم مجلس الحسين المركزي، بشتى الذرائع والحجج الباهتة الكاذبة، وحتى لو جردنا مجلس الحكيم تنزلا من كل شيء حسيني ومعنوي وحسن نية, فتنظيم وإدارة هذا المجلس تكفي أبناء الأغلبية ليتفاخروا بالحكيم، الذي حول بيت قاتلي العلماء والفضلاء إلى منبر لإحياء الطريق الذي سلكوه وأستشهدوا لأجله, ألا وهو طريق الحسين، بما يحمل هذا التحويل من رسائل معنوية كبرى، لمن يفقهها.
مهما قال الإعلام الأصفر، ومهما صور الأعداء وتلقفه الأغبياء، فما يحصل في الجادرية نصر وتسديد غيبي، يبشر بأفق مشرق لعراق الحسين، فهذا الجموع لن تخذل، ومتى خذلت السماء أنصار من خاطبها “اذا كان دين جدي لا يستقيم الا بقتلي فيا سيوف خذيني”.
بعيدا عن السياسة وتبني مواقف أو نقدها، من المنصف القول شكرا للحكيم ولشباب الحكمة وقياداتها من العاملين على هذا المجلس، فقد أدخلوا السرور على قلوب المؤمنين من محبي أهل البيت ويقينا أن شهداء الطف والسبايا فرحون بهذا الذكر والاستذكار المتميز.