كعادتهم في إحياء ذكرى واقعة الطف، أقام اتباع اهل البيت العراق مئات المجالس الحسينية، في بغداد وبقية المحافظات التي يقطنها عشاق سيد الشهداء عليه واله أفضل الصلوات.
الحديث عن المجالس التي أقيمت في العاصمة، له أهمية بالغة من حيث تنوع الفعاليات الراعية لها، والتي يشكل البعد الجماهيري عصبها الرئيس، وإليه يعزى سر ديمومتها على مدى القرون، إضافة لذلك كانت هنالك بعض المجالس التي يمكن وصفها بشكل من الرسمية، بلحاظ محل إقامتها وتنوع حضورها بين الرسمي والشعبي، ناهيك عن تبنيها من جهات سياسية، لها تاثيرها في الواقع السياسي الذي يشهده العراق.
يأتي مجلس العزاء المركزي الذي يرعاه السيد عمار الحكيم، في طليعتها من ناحية الإعداد المشاركة بحضورها الفاعل، والتنظيم المميز ونوعية الحضور الرسمي لمختلف رجالات الدولة، الذين حرص بعضهم على أن يكون من رواد هذا المجلس بشكل يومي..
يمكن للمتابع ان يستوحي عدة دلالات، بوقفة تأمل بسيطة على هذا المجلس، بعد استحضار التداعيات التاريخية التي رافقت مسيرة العزاء الحسيني، والتضحيات الجسيمة التي قدمت، في سبيل إحياء تلك الشعيرة.
عندما تشاهد إقامة هكذا عزاء في مكان له طابعه الرسمي، ورعايته من جهة سياسية، تحضره غالبية رجال الدولة ومن اعلى المستويات، ويتسلل لذهنك دافع المقارنة بين هذا المجلس، الذي يعقد تحت حماية أجهزة الدولة، التي تتوخى الحيطة والحذر حفاظا على سلامة الحضور، شعبيا كان او رسميا وتاخذك الذكريات إلى تفاصيل الزمن “الأسود” حيث عيون السلطة تلاحق المعزين وتعتقلهم، وتتعقب الخطباء لتزج بهم في سجونها المظلمة، ولدوائرها الامنية قوائم بأسماء العشرات من الرواديد، وهي تتحين الفرصة لاغتيالهم بأي طريقة كانت، فحينها تدرك الفرق بين الزمنين.
حين تبث على شاشات التلفزة صورا، لبعض السفراء وممثلي البعثات الدبلوماسية لدول أجنبية، وبعيدة عن واقعنا الإسلامي، من الناحية الجغرافية والثقافية والفكرية _ تشاهد هؤلاء يلطمون صدورهم كما يفعل الشاب الشيعي، القادم من أحياء البؤس والفقر، والمهاجر على اجنحة الزمن من التأريخ الذي يحكي، ظلامة طائفة قدمت الدماء الزكية، في سبيل رفع اسم الحسين، رغم أنوف عصابة البعث، التي طالما حرصت على اقامة حفلات الزفاف الجماعي في يوم عاشوراء، لأبناء رجالها المخلصين، الذين كانت تقاريرهم وسيلة مهمة، توفر الجهد والوقت للخلاص من أولئك، الذين عشقوا الحسين وعرفوه عقيدة، من خلال انصاتهم بحذر شديد لقصيدة “ياحسين بضمايرنا” ستدرك عالمية النهضة الحسينية، وان هذا الرجل الثائر هو حفيد من خاطبه ربه بكتابه الكريم قائلا “وما أرسلناك إلا كافة للناس” فهو لم يعد فقط ذلك الرجل، الذي نسمع عنه وننعاه في ازقتنا الضيقة وبصوت خافت، وليس هو الذي دفعتنا السلطة، لنشعر اننا أحق به من غيرنا، لهول ما قدمناه على نهجه.
نعم ان الحسين العالمي، الذي يتمنى هذا السفير او ذاك، وبغض النظر عن دوافعهم ونواياهم _ ان يجدوا لهم مكانا بيننا من شدة الزحام في مجلسنا، نحن أبناء المكون العراقي الأكبر، الذي نفتخر بريادتنا لرسم المشهد السياسي، لعراق علي والحسين، رغم ما يعتري مسيرتنا من عوائق، تحول دون بلوغننا ما نطمح اليه.. والأجمل فينا إننا سعادتنا بنيل شرف خدمة الحسين، من اعلى هرم في السلطة، غير مبالين للضجيج، الذي يثيره من اتخذ قضية عاشوراء مناسبة لتصفية الحاسبات السياسية.. فلطالما نادى جهلتهم إياك اخاطب، فنجيبه وعنك نعرض.