تتميز صور الحسين (اللامتناهية) في الوجدان العراقي عن كل صوره المبثوثة في ضمائر وعقول ووجدان البشرية من مختلف مشاربها وثقافاتها، ولا يعود هذه الاختلاف للخصوصية المكانية وعلاقة القرب فحسب، وإنما يشكل الحسين (ع) جزء أساس في الهوية الفردية والمجتمعية والذاكرة العامة والذاكرة التأريخية للعراقيين، بل يشكل دالة المستقبل في عقول المعظم.يعتقد معظم العراقيين، ان لكل منهم قصته الخاصة مع الحسين، وهي قصة حصرية دون غيره من الآخرين، وهذه الحصرية تتشكل من تعدد المناظير للحسين بقدر الصور اللانهائية التي تظهر للمستحضرين الحسين عن بعد او الحاضرين عنده من قرب.
ورغم الايمان الكامل لهم بأن الحسين عليه السلام الامام المعصوم الثالث، ومصدر السنة المطهرة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وعدل القرآن الكريم، ووالد الائمة، إلا ان هذه العناوين لا تحضر بذات القوة التي تحضر فيها صورة الثائر الاوحدي والمظلوم المهتضم، وحتى في هذه الجزئية، تختلف المقاربة النفسية العراقية عن كل المقاربات، مع الاحترام والتقدير والاشادة بكل صور الانتماء الى الحسين في كل بقاع الارض، فالحسين لاهل الارض والسماء، ولا يحق لأحد احتكاره.تتركب بعض اجزاء صورة الحسين في الوجدان العراقي من تلاقي (تفرد الالم الحسيني) و (خصوصية العاطفة العراقية) و (ابدية الصلة والذكر) و (الادراك العميق بأن الحسين يبقى وجود غير مستكشف يتيح لمن يقبل عليه معرفة المزيد منه في كل لحظة) و (الشعور بأن المستقبل العراقي مرتبط بشكل وطيد بالحسين.. قضية واثرا)؛ هذه المدخلات، والخصوصيات الفردية المشاعرية العراقية، تخلق حضورا لا متناهي للحسين في الوجدان العراقي، بل ان للحسين حضورات متعددة ومختلفة عند كل فرد في آنات مختلفة.ما من احد من (حسيني العراق) إلا وله حديثه الخاص مع الحسين السلام (من قرب او من بعد)، وجميعهم، يشعرون ان كل ما يتصل بالحسين مسؤوليتهم الشخصية، بما في ذلك استضافة واحترام وتقدير، كل ضيوف الحسين من كل بقاع الارض.ان اي تعريف او عمل ثقافي او فكري، بل وحتى سياسي، يستبعد الحسين وشأنه، كمكون اساس في الهوية العراقية، سيكون محاولة تغريب وسلخ، وتجذيف خارج مسرى النهر، ولن يجد له مكانته مهما راهنت الجهة التي تدعو له، كما، ابعاد الحسين من اي مقاربة قائمة على خصوصيات الهوية العراقية، هي خسارة فادحة، وتضيع لاهم موارد الحركة والابداع في الشخصية العراقية.لا ينتمي هذا النص، للاحساس بالتعالي على الاخرين، ولا علاقة له بالتفضيلات، ولا يمنع ولا يسحب اي خصوصيات اخرى لمحبي الحسين، ولكنه، يتحدث عن اختلاف وتميز ناشئ من خصوصيات خاصة.وعلى الضفة الاخرى، على العراقيين كافة، ان يقدروا حجم هذه النعمة العظيمة، ويديموها بشكر يتناسب معها .