في كل موسم انتخابي يكثر الحديث عن اهمية التغيير المنشود من خلال صناديق الاقتراع..مقابل احاديث شتى عن وسائل التغيير من الخارج !!
طرفي هذه المعادلة مسؤولية مجتمعية وسياسية.. فالغاء طرف التبشير الفج للتغيير بالعامل الاجنبي مجددا .. يتطلب اولا تشجيع الاغلبية الصامتة لطرق ابواب المراكز الانتخابية وهذا يعني جملة إجراءات لترميم الثقة المجتمعية بهذه الصناديق اولا ..
مثل هذه الإجراءات تقع تحت مصطلح( حوكمة الديمقراطية ) وهي إجراءات قانونية متوفرة في قانوني الأحزاب والانتخابات
ولكن !!
مفوضية الانتخابات لم تستخدم هذه النصوص المتوفرة قانونيا لتطبيق معايير الحوكمة على الاحزاب التي تتقدم للمشاركة في الانتخابات المقبلة على سبيل المثال لمجالس المحافظات..كما لم تفعل في اي من الانتخابات السابقة..
كيف ؟؟
هناك نصوص قانونية تتطلب عدم السماح للاحزاب التي لها جناح مسلح المشاركة في الانتخابات…وايضا اصحاب الجنسيات المزدوجة.. وايضا تكليف الاجهزة الرقابية بتحليل معطيات مصروفات الاحزاب بما يعرف( المال السياسي ) الذي يغطي مصروفات هذه الاحزاب في جميع اوجه مصروفاتها على المقرات المتعددة في كل محافظة ووسائل الاعلام لاسيما الفضائيات..ناهيك عن استخدام عجلات الدولة في الحملات الانتخابية.
كما سبق وان وضعت مدونة للسلوك الانتخابي لم تفعل كليا وتحتاج الى إدخال شروط ملزمة في استخدام وسائل الاعلام للتسقيط الشخصي مثلا ..فضلا عن كشف الاحزاب عن مصادر تمويلها للحملات الانتخابية.
ما بين هذا وذاك يتطلب ان تكون البيانات التأسيسية لهذه الأحزاب تحت سلطة الدستور العراقي النافذ وابرز ما فبه الحفاظ على ثروات العراق وسيادة الدولة..فضلا عن عدم التخابر مع دول خارجية ..اقليمية ودولية للتاثير على نتائج الانتخابات.
كل ذلك ممكن إنجازه من قبل مفوضية الانتخابات لضمان نزاهة وحوكمة العملية الانتخابية باعتبارها العمود الفقري لحوكمة الديمقراطية وحقوق الانسان العراقي..والاستجابة لمقياس الديمقراطية الدولي احد ابرز اوجه قياس مدركات الفساد العالمي لمنظمة الشفافية الدولية.
يتكرر السؤال عن هذا الموضوع ..لماذا لم تنجح اي مفوضية للانتخابات من الاتيان بتطبيقات حوكمة الديمقراطية في ادارة الانتخابات؟؟
الاجابة الواقعية الواضحة والموضوعية ربما اقول ربما تكون في التحليل الاتي :
اولا : لم تظهر احزابا وطنية عراقية تمثل اغلبية غالبة من مجموع شرائح المجتمع العراقي..بل توارثت احزاب الاسلام السياسي بمفهومي البيعة والتقليد او الأحزاب القومية ذات النزعة الانفصالية لاسيما الكردية .. وما زال واقع العراق حزبيا من دون( الأتفاق الوطني لعراق واحد وطن الجميع) واستبدل هذا الثابت الدستوري بنظام مفاسد المحاصصة وثقافة المكونات وامراء الطوائف السياسية.
ثانيا : ظهور شرائح مجتمعية واقتصادية انتهازية تعاملت مع جغرافية المصالح الحزبية والهويات الفرعية على حساب المواطن العراقي الناخب مما أدى إلى تغييب منهجية واضحة لتقديم المنفعة الشخصية للمواطن العراقي الناخب في سياسات عامة بمعايير الحكم الرشيد والمواطنة الفاعلة الصالحة.
ومثلت هذه الشرائح من نهازي الفرص الجمهور الحزبي الواقف امام صندوق الاقتراع مقابل اغلبية صامتة يتعاظم غضبها من اجندات حزبية تفضل المصالح الإقليمية والدولية على المصلحة الوطنية العراقية.. بما أوقع العراق في اتون دفتي الصراع الامريكي الإيراني وشركاهما في الخارطة الحزبية العراقية .
هذا وحده يتطلب مواقف راشدة من قبل مفوضية الانتخابات لضمان نزاهة الانتخابات..لكن اي مجلس مفوضية سابق او حتى لاحق لن يخرج الا من معطف نظام المحاصصة ومفاسدها .
ثالثا : لن ولم تمض اي مفوضية للانتخابات نحو استخدام مواد سبق لمجلس النواب تشريعها في قانوني الاحزاب والانتخابات وتعديلاتهما ابرزها كشف الذمة المالية لقيادات الاحزاب..واعتبار من اتهم بجريمة فساد محروما من الترشيح للانتخابات حتى وان شمل بقانون العفو .
مثل هذه الجوانب القانونية تحتاج الى وضوح واليات تطبيق من قبل مجلس القضاء الاعلى والمحكمة الاتحادية العليا للحفاظ على دستورية الانتخابات.
كلما تقدم .. يجعل قيادات سياسية ومجتمعية واقتصادية امام استحقاق مراجعة شاملة للإجابة على تلك التساؤلات الصعبة لعزوف الاغلبية الصامتة المشاركة في الانتخابات.. ومن دون ظهور مثل هذا الاستحقاق عراقيا . تبقى الانتخابات مجرد تدوير للأسماء ما بين الدوائر الانتخابية لا أكثر ولا أقل!! ويبقى من القول لله في خلقه شؤون.