كنت في منتصف سبعينات القرن الماضي، ارتاد المقهى البرازيلي في شارع الرشيد ، اقرا فيها احيانا ، والتقي احيانا اخرى ببعض الاصدقاء الذين يحسبون انفسهم من المثقفين و الفنانين و الشعراء ..ذات مرة جلس على طاولتي ، رجل ستيني العمر ، انيق الملبس رغم قدم طرازه و فصاله .تعارفنا ، فقد عرفني بنفسه ( ابو آماسي) ، وادعى انه سياسي سابق منذ زمن الانكليز، وله علاقات مع الدبلوماسين و السفير الانكليزي و الملك والعائلة المالكة والحاشية و نوري باشا سعيد ، و صالح باشا جبر ووووو و اطلعني على صور قديمة له معهم وهو يرتدي ملابس الفرسان..بعد ساعتين من الحوار و الحديث عن الانكليز والملكية الذي يمثلها (ابو آماسي)، وبيني الذي كنت مندفع بالافكار التقدمية .ارتحت للرجل كثيرا” خاصة بعد ان منحني لقب الباشوية ، واخذ يناديني ب ( ضياء باشا ) ،وحينها كنت مزهوا” و معتد بنفسي وانا اسمعه يقول : انت اصغر باشا اتعرف عليه ، لكن ينقصك ان تقلل شعرك و تترك لبس البنطلون ( الجارلص) الذي كان موضة المراهقين وقتها ، مبررا ان البشوات لا يلبسون الا الرسمي ..كان ل ( ابو آماسي) صديق تكريتي اسمه شيخ صديد يدعي انه قريب خيرالله طلفاح، يتناولان القهوة و يذهبان في جولة في شارع الرشيد و محلاته..غاب عني ( ابو آماسي) اشهر ، وعلمت عندما رايت شيخ صديد و سالته عنه ، اجابني الشيخ : ان ضباط الامن اعتقلت ( ابو آماسي) عندما راوا صوره مع الانكليز و الملك والحاشية ، و سالوه ماذا كنت تعمل ؟؟! ، اجاب ابو آماسي : سياسي ، و احسن سياسي بالبلد…ثم عاد ضابط الامن وسأله عن رايه ب ( ميشيل عفلق) و ( الياس فرح ) و ( شبلي العيسمي ) ؟! …قال ابو آماسي : اني عرفت و دربت هواي حصن ، لكن هاي الحصن الذي ذكرتها ، ما كنت عندي بالاسطبل ، وهذه الحصن ليست عراقية ، لاني مدرب كل حصن الانكليز و الملك و الوزراء و البشاوات..
و اضاف شيخ صديد قائلا” : لولا تدخل خيرالله طلفاح و احمد حسن البكر ، كان صاحبنا (ابو آماسي) تم اعدامه ، بسبب كونه اعتاد على ان يقول انه سياسي وليس سايس، بسبب اصله التركماني وعدم استيعاب الفرق في اللفظ .
تذكرت (ابو آماسي) وانا استمع الى اعتقال متظاهر شاب اسمه ( حسوني) ، مرتب في لبسه ، يرتدي فانيلة عليها تمثال الحرية و مكتوب عليها باللغة الانكليزية ( انا حر ) ، لم يصل سن الرشد بعد ، خرج مع زملائه متضامنا” مع مطالب اخوانه واخواته المعطلين عن العمل رغم تخرجهم من الجامعة منذ بضع سنوات..
بعد بضع صفعات ( راشديات) و عديد من الركلات ( چلاليق) ، اعترف حسوني انه مدعوم من السفارة الامريكية .عندما ساله الشرطي : كم اعطوك ؟
قال بعد تلقيه صفعة : دفترين ( عشرين الف دولار )
قال شرطي اخر ل حسوني : وبعد ؟
قال حسوني بعد ان تم ركله مرارا”: سيارة جيب .
ساله الشرطي الثالث :وبعد ؟
قال حسوني بعد سلسلة من اللكمات : جنسية امريكية ..
قاموا اخواننا الشرطة بارساله الى الضابط الآمر و قال احدهم : سيدي ،هذا المتظاهر اللابس ملابس امريكية ،مجندته السفارة الامريكية، واعطوه دفترين و سيارة جيب بست دفاتر والجنسية الامريكية..
ضحك الضابط كثيرا وهو يقول : لو امريكا تعطي لكل متظاهر هذه الثروة ، كان كنت اول المتظاهرين ..ولو المتظاهرين يستلمون هذه الثروات كان كظونه ( قضوا علينا ) ، اطلق الضابط سراح حسوني ، قائلا له : روح لبيتكم ليجيبوك لي مرة ثانية و تعترف انت ترامب ..
لنا ولشبابنا المظلوم ، و لشعبنا المحروم ،رب كاشف الغم ، رافع الهموم ..
ا.د.ضياء واجد المهندس
مجلس الخبراء العراقي