قبل سنوات طويلة، دخلت في نقاش مع زميل سوري، عندما كنا اساتذة في إحدى جامعات ليبيا، حول اللغة العربية ومفرداتها وتطرقنا في نقاشنا إلى علاقة العامية بالفصحى فقال ذلك الزميل السوري جازما بأن مفردات اللغة العربية المتداولة أو ما يسمى باللهجات العامية ترجع كلها إلى الفصحى. اثار استغرابي كلام ذلك الزميل السوري بيد أنني كلما قرأت أكثر وبحثت اكثر وجدت كلامه صحيحا. وقد تناول ذلك الموضوع، اي علاقة العامية بالفصحى، كتاب ومثقفون منهم صديقنا العزيز الاستاذ الدكتور فراس عبد الرزاق السوداني الذي له صولات وجولات في هذا المجال.
وقع في يدي اليوم كتاب رائع هو (نوادر في اللغة) لمحمد المكي بن الحسين، جمعه وحققه علي الرضا الحسيني. مؤلف الكتاب من علماء تونس الكبار، وكذلك المحقق فهو من كتاب تونس الذين يولون اللغة العربية والتراث جل اهتمامهم. يتطرق الكتاب إلى جملة من المفردات والتعبيرات العربية وكانت أول مفردة هي ( العيمة) بفتح العين والميم وضم التاء المربوطة، وهي شهوة اللبن والشوق اليه، بحسب ما ورد في الكتاب. اقول لعل مفردة (معتام ) و(يعتام) المستخدمة بمعنى مشتاق ويشتاق في بعض مناطق شمال محافظة ذي قار، والتي بحثت كثيرا في أصلها أو مصدرها فلم أوفق إلى الاهتداء اليه، جاءت من تلك المفردة ( العيمة) .. والله أعلم.