الفنّ عملية شاقة يستهلكك دون مقابل كبير وفي أغلب الأحيان لا يقدم أي شيء لك، يقدم الفائدة من عملك للمصلحة العامة، وهذا ما يجعل الذين يمارسون الفنّ قلة، لأننا بشر وكل بشري يبحث عن منفعة خاصة، وليس عاقل في نظر المجتمع، الذي يترك المنفعة الشخصية ويجري خلف منافع تصب في مصلحة الناس جميعاً، على الأقل المتواجدين في الفنّ. لكن الطريقة الأسرع للخلود وتحسن عملك إلى درجة الإتقان هي الاهتمام في إيجاد حل يساهم في تحسين الوسط الفنّي ومحاربة المهازل التي تُصدر على أنها فنّ. لذلك طبيعي أن تجد معترضين فأنت في ما ذكرتْ تحاول تفضيل المصلحة العامة في زمن يسير على مصلحة شخصية ترسم ملامحه وتقوده مثل أعمى. فطبيعي جداً أن تصبح في نظرهم مجنون، وفي كل زمن، الذين يهتمون بأشياء لا تعطي لذة حسيّة، هم مجانين حين فضلوا قضاء وقتهم في المساهمة في إيجاد طريقة أفضل لحياة عقلية وحتى عاطفية أفضل لأناس ضعفاء أمام الشهوات والعالم. فنحن، طبيعة البشر، لا نُقدر الذي يسعى من أجل الأدب والثقافة ووعي الإنسان، الأغلبية لا تقدره، والقلة الواعية تخوض في أمره ولا تصل لنتيجة، بل نحن نُبجل الغبي ولا نتناقش في أمره، لكن الأخير ينتصر انتصار ساحق، أما الأول فهو ينتصر كل يوم ويقدر هذه الانتصارات، لكن، المجتمع، لا يعرف شيء ولن يعطي لهذا حقه وحين تقارن سعادة الغبي معه، نجد هذا المهتم بالفنّ والسعيد بكونه يسعى ليكون فنّان يعالج الكثير من المشكلات، نجده يتفوق على الغبي في كونه يملك طريقاً يأخذه كل ما تعب نحو السكينة الروحية التي يعرفها من تعمق في الفنّ ومحاولاته الكثير للبحث عن حلول وعلاج يقضي على تشوّه الفن، أما الغبي حين يدري ويملك وعي هو لن يعرف كيف يعالج تعبه النفسي، وهذا الفرق…وحتى حين ينزعج الغبي ليس لديه فن يرشده لمواجهة تعب نفسي. لذلك الفنّان في اشتغاله في الفن هو يجعل منه مرشداً حين يتيه ويبتعد عن الصواب، وطبيب نفسي عندما يتيقن من حاجته لجلسة نفسية،فالفنّ ربما لا يخدم الفنّان على صعيد الحاضر،لكنه يخدمه في التصالح مع ذاته وقبول وضعه كما هو ومحاولة التأقلم حتى يصبح الفنّان كشجرة في جبل، في ظل الفنّ يكتشف الإنسان الذات،ويحاول تقبلها، ثمّ يقبلها، دون اكتشاف وقبول لن تُعاش الحياة في ظل وعي وعقل يعمل، ودون فنّ لن يعيش الواعي هادئاً. لذلك انغمسوا بالفن، ليحيط بك من أربعة جهات، حين يجري الغبي لفعل شيء ما يسعفه من حزنه، أسرع إلى ما هو فنّي وأقضي على حزنك، ليست تنمية، لكن الفنّ حين يصبح هو الملاذ لكل شخص لا يعرف كيف يتعامل مع عقله، وقتها يكون له تأثير كبير على تصرفاتك وتحسينها نحو الأفضل، مثلُ صوفيّ، الفنّان الجيد.