قبل يومين، زارني صديق عزيز، أثبت نبله وطيبته في مختلف الظروف، شاركته أفراحه وأحزانه، وشاركني أفراحي وأحزاني. في زيارته المسائية، لم يكن كما عهدته، كان واجماً، وعلامات عدم الرضا مرتسمة على وجهه، قلت له ونحن نرتشف الشاي : ماذا بك صديقي، أراك تحمل هما.. تنهد، وبدأ صوته يسرد بنبرات حزينة: أنت تعرف (فلان)، ومدى صداقتنا الشخصية والأسرية الممتدة مع سني العمر، اكتشفتُ أنه لم يحافظ على تلك الصداقة، وبدأ ضيفي يعدد مساوئ صديقه، ويعززها بالأدلة والمواقف، وحين بادرتُ بترطيب الجو، وتذكيره بعمق صداقته مع من يشكو منه، قال : لن أنسى ذلك، لكن تغييره المفاجئ، وسلوكه المنافي للود، جعلني أشك بوجود صداقة حقيقية، مبنية على الأخوة والإخلاص.
وحين انتهت الزيارة، مع إعلان فشلي في تغيير قناعة صديقي، تساءلت: أليس غريباً، أن يعيش المرء سنوات طوال في إطار كذبة صدقها في يفاعته، وأدمن على السير في هديها، دون أن يحاكمها بمنطق العقل، فهذا هو عين الخطأ، وينبغي التوقف للتأمل، ورغم فوات الأوان، أقر أنني خُدعت بعناوين جذابة، لكني اكتشفت أن مضامينها فارغة، ولا أعني هنا الكتب، بل “بعض” الأصدقاء الذين لبسوا ثوب الزهد والرقة والألفة والإخوانية، غير أن باطنهم كان يضمر الشر والنميمة، وأحمد الله، أن عددهم قليل، أمام أصدقاء خلص، هم إخوة في السراء والضراء.
إن بناء الصداقة، على أساس المظاهر والمواقع وحلو الكلام، والقرب من المسؤول الفلاني، هي مظاهر خداعة، وإن عبارة “الكتاب يقرأ من عنوانه” غير واقعية، وبعيدة عن بوصلة الحياة، فليس كل ما تراه العين حقيقياً، فهناك الكثير يختبئ في داخلهم شخصيات أخرى غير التي يظهرون فيها للآخرين.
وبين الكلمة والتفكير والثقافة وشائج قربى وتفاعل، هي من السعة والغنى بحيث تميز أحدنا عن الآخر كأصدقاء، وإذا صح أن ما يجذر الصداقة، هو الفكر والشعور والألفة، فإن المواقف والتجارب هي أوسع الأبواب لصداقة نبيلة، فعلينا التمسك بالصدق مع من نرتبط به صديقاً، وأن تكون نظرتنا ثاقبة، وحسنا مرهف، وذهننا متوقد، ونمتلك سرعة الخاطر، والثقة بالنفس، فتلك هي عناوين الصداقة الناجحة.
—————————–